القول في تأويل قوله تعالى { لاَ تَمُدّنّ عَيْنَيْكَ إِلَىَ مَا مَتّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مّنْهُمْ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ } .
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : لا تتمنينّ يا محمد ما جعلنا من زينة هذه الدنيا متاعا للأغنياء من قومك الذين لا يؤمنون بالله واليوم الاَخر ، يتمتعون فيها ، فإن مِنْ ورائهم عذابا غليظا . وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ يقول : ولا تحزن على ما مُتّعوا به فعجّل لهم ، فإن لك في الاَخرة ما هو خير منه ، مع الذي قد عَجّلنا لك في الدنيا من الكرامة بإعطائنا السبع المثاني والقرآن العظيم يقال منه : مَدّ فلانٌ عينه إلى مال فلان : إذا اشتهاه وتمناه وأراده .
وذُكر عن ابن عيينة أنه كان يتأوّل هذه الاَية قولَ النبيّ صلى الله عليه وسلم : «لَيْسَ مِنّا مَنْ لَمْ يَتَغَنّ بالقُرآنِ » : أي من لم يستغن به ، ويقول : ألا تَرَاهُ يَقُولُ : وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعا مِنَ المَثانِي والقُرآنَ العَظِيمَ لا تَمُدّنّ عَيْنَيْكَ إلى ما مَتّعْنا بِهِ أزْوَاجا مِنْهُمْ ؟ فأمره بالاستغناء بالقرآن عن المال . قال : ومنه قول الاَخر : من أوتي القرآن فرأى أن أحدا أعطي أفضل مما أعطي فقد عظّم صغيرا وصغّر عظيما .
وبنحو الذي قلنا في قوله : أزْوَاجا قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال حدثنا ورقاء وحدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : لا تَمُدّنّ عَيْنَيْكَ إلى ما مَتّعْنا بِهِ أزْوَاجا مِنْهُمْ : الأغنياء ، الأمثال ، الأشباه .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : لا تَمُدّنّ عَيْنَيْكَ إلى ما مَتّعْنا بِهِ أزْوَاجا مِنْهُمْ قال : نُهِيَ الرجل أن يتمنى مال صاحبه .
وقوله : وَاخْفِضْ جَناحَكَ للْمُؤْمِنِينَ يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : وألِن لمن أمن بك واتبعك واتبع كلامك ، وقرّبهم منك ، ولا تَجْفُ بهم ، ولا تَغْلُظ عليهم . يأمره تعالى ذكره بالرفق بالمؤمنين . والجناحان من بني آدم : جنباه ، والجناحان : الناحيتان ، ومنه قول الله تعالى ذكره : وَاضْمُمْ يَدَكَ إلى جنَاحِكَ قيل : معناه : إلى ناحيتك وجنبك .
وقوله { لا تمدن عينيك } الآية ، حكى الطبري ، عن سفيان بن عيينة أنه قال هذه الآية أمر بالاستغناء بكتاب الله عن جميع زينة الدنيا ، وهي ناظرة إلى قوله عليه السلام :
«ليس منا من لم يتغن بالقرآن »{[7220]} أي يستغني به .
قال القاضي أبو محمد : فكأنه قال : ولقد آتيناك عظيماً خطيراً فلا تنظر إلى غير ذلك من أمور الدنيا وزينتها التي متعنا بها أنواعاً من هؤلاء الكفرة ، ومن هذا المعنى قول النبي صلى الله عليه وسلم : «من أوتي القرآن فرأى أن أحداً أعطي أفضل مما أعطي فقد عظم صغيراً ، وصغر عظيماً »{[7221]} وكأن «مد العين » يقترن به تمنَّ ، ولذلك عبر عن الميل إلى زينة الدنيا ب «مد العين » و «الأزواج » هنا الأنواع والأشباه ، وقوله { ولا تحزن عليهم } أي لا تتأسف لكفرهم وهلاكهم ، واصرف وجهك وتحفيك إلى من آمن بك { واخفض } لهم { جناحك } وهذه استعارة بمعنى لين جناحك ووطىء أكنافك . «والجناح » الجانب والجنب ، ومنه { واضمم يدك إلى جناحك }{[7222]} [ طه : 22 ] فهو أمر بالميل إليهم ، والجنوح الميل .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.