جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري  
{لَا تَمُدَّنَّ عَيۡنَيۡكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعۡنَا بِهِۦٓ أَزۡوَٰجٗا مِّنۡهُمۡ وَلَا تَحۡزَنۡ عَلَيۡهِمۡ وَٱخۡفِضۡ جَنَاحَكَ لِلۡمُؤۡمِنِينَ} (88)

القول في تأويل قوله تعالى { لاَ تَمُدّنّ عَيْنَيْكَ إِلَىَ مَا مَتّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مّنْهُمْ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ } .

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : لا تتمنينّ يا محمد ما جعلنا من زينة هذه الدنيا متاعا للأغنياء من قومك الذين لا يؤمنون بالله واليوم الاَخر ، يتمتعون فيها ، فإن مِنْ ورائهم عذابا غليظا . وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ يقول : ولا تحزن على ما مُتّعوا به فعجّل لهم ، فإن لك في الاَخرة ما هو خير منه ، مع الذي قد عَجّلنا لك في الدنيا من الكرامة بإعطائنا السبع المثاني والقرآن العظيم يقال منه : مَدّ فلانٌ عينه إلى مال فلان : إذا اشتهاه وتمناه وأراده .

وذُكر عن ابن عيينة أنه كان يتأوّل هذه الاَية قولَ النبيّ صلى الله عليه وسلم : «لَيْسَ مِنّا مَنْ لَمْ يَتَغَنّ بالقُرآنِ » : أي من لم يستغن به ، ويقول : ألا تَرَاهُ يَقُولُ : وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعا مِنَ المَثانِي والقُرآنَ العَظِيمَ لا تَمُدّنّ عَيْنَيْكَ إلى ما مَتّعْنا بِهِ أزْوَاجا مِنْهُمْ ؟ فأمره بالاستغناء بالقرآن عن المال . قال : ومنه قول الاَخر : من أوتي القرآن فرأى أن أحدا أعطي أفضل مما أعطي فقد عظّم صغيرا وصغّر عظيما .

وبنحو الذي قلنا في قوله : أزْوَاجا قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال حدثنا ورقاء وحدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : لا تَمُدّنّ عَيْنَيْكَ إلى ما مَتّعْنا بِهِ أزْوَاجا مِنْهُمْ : الأغنياء ، الأمثال ، الأشباه .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : لا تَمُدّنّ عَيْنَيْكَ إلى ما مَتّعْنا بِهِ أزْوَاجا مِنْهُمْ قال : نُهِيَ الرجل أن يتمنى مال صاحبه .

وقوله : وَاخْفِضْ جَناحَكَ للْمُؤْمِنِينَ يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : وألِن لمن أمن بك واتبعك واتبع كلامك ، وقرّبهم منك ، ولا تَجْفُ بهم ، ولا تَغْلُظ عليهم . يأمره تعالى ذكره بالرفق بالمؤمنين . والجناحان من بني آدم : جنباه ، والجناحان : الناحيتان ، ومنه قول الله تعالى ذكره : وَاضْمُمْ يَدَكَ إلى جنَاحِكَ قيل : معناه : إلى ناحيتك وجنبك .