{ لا تمدّن عينيك } الآية قال الحسن بن الفضل قلت وهذا القول ضعيف أو لا يصح لأن هذه السورة مكية ، بإجماع أهل التفسير وليس فيها من المدني شيء . ويهود قريظة والنضير ، كانوا بالمدينة وكيف يصح أن يقال إن سبع قوافل جاءت في يوم واحد ، فيها أموال عظيمة حتى تمناها المسلمون فأنزل الله هذه الآية ، وأخبرهم أن هذه السبع آيات هي خير من هذه السبع القوافل والله أعلم ، وفي المراد بالسبع المثاني أقوال أحدها أنها فاتحة الكتاب ، وهذا قول عمر وعلي وابن مسعود وفي رواية عنه وابن عباس ، وفي رواية الأكثرين عنه وأبي هريرة والحسن ، وسعيد بن جبير وفي رواية عنه ومجاهد وعطاء وقتادة في آخرين . يدل على صحة هذا التأويل ما روي عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « الحمد لله رب العالمين أم القرآن وأم الكتاب ، والسبع المثاني » أخرجه أبو داود والترمذي ( ق ) عن أبي سعيد ابن المعلى قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « الحمد لله رب العالمين هي السبع المثاني ، والقرآن العظيم الذي أوتيته » أخرجه البخاري . وفيه زيادة أما السبب في تسمية فاتحة الكتاب بالسبع المثاني ، فلأنها سبع آيات بإجماع أهل العلم واختلفوا في سبب تسميتها بالمثاني . فقال ابن عباس والحسن وقتادة : لأنها تثنى في الصلاة تقرأ في كل ركعة . وقيل : لأنها مقسومة بين العبد وبين الله نصفين : فنصفها الأول ثناء على الله . ونصفها الثاني : دعاء ويدل على صحة هذا التأويل ما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « يقول الله تبارك وتعالى قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين » الحديث مذكور في فضل الفاتحة . وقيل سميت مثاني لأن كلماتها مثناة مثل قوله : { الرحمن الرحيم إياك نعبد وإياك نستعين اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين } فكل هذه ألفاظ مثناة . وقال الحسن بن الفضل : لأنها نزلت مرتين مرة بمكة ومرة بالمدينة ومعها سبعون ألف ملك . وقال مجاهد : لأن الله سبحانه وتعالى استثناها وادخرها لهذه الأمة فلم يعطها لغيرهم . وقال أبو زيد البلخي : لأنها تثني أهل الشرك عن الشر من قول العرب ثنيت عناني . وقال ابن الزجاج : سميت فاتحة الكتاب مثاني لاشتمالها على الثناء على الله تعالى وهو حمد الله وتوحيده ، وملكه وإذا ثبت كون الفاتحة هي السبع المثاني دل ذلك على فضلها وشرفها وأنها من أفضل سور القرآن ، لأن إفرادها بالذكر في قوله تعالى { ولقد آتيناك سبعاً من المثاني والقرآن العظيم } مع أنها جزء من أجزاء القرآن وإحدى سوره لا بد . وأن يكون لاختصاصها بالشرف ، والفضيلة . القول الثاني في تفسير قوله سبعاً من المثاني أنها السبع الطوال ، وهذا قول ابن عمر وابن مسعود في رواية عنه وابن عباس وفي رواية عنه وسعيد بن جبير وفي رواية عنه السبع الطوال هي سورة البقرة وآل عمران والنساء والمائدة والأنعام والأعراف . واختلفوا في السابعة فقيل الأنفال مع براءة لأنهما كالسورة الواحدة ، ولهذا لم يكتبوا بينهما سطر بسم الله الرحمن الرحيم . وقيل السابعة هي سورة يونس ويدل على صحة هذا القول ما روي عن ثوبان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « إن الله سبحانه وتعالى أعطاني السبع الطوال مكان التوراة وأعطاني المئتين مكان الإنجيل وأعطاني مكان الزبور المثاني ، وفضلني ربي بالمفصل » أخرجه البغوي بإسناد الثعلبي ؛ قال ابن عباس : إنما سميت السبع الطوال مثاني لأن الفرائض والحدود ، والأمثال والخبر والعبر ثنيت فيها ، وأورد على هذا القول أن هذه السور الطوال غالبها مدنيات فكيف يمكن تفسير هذه الآية بها ، وهي مكية وأجيب عن هذا الإيراد بأن الله سبحانه وتعالى ، حكم في سابق علمه بإنزال هذه السورة على النبي صلى الله عليه وسلم وإذا كان الأمر كذلك صح أن تفسر هذه الآية بهذه السورة ، القول الثالث : أن السبع المثاني هي السور التي هي دون الطوال ، وفوق المفصل وهي المئين ، وحجة هذا القول الحديث المتقدم وأعطاني مكان الزبور المثاني ، والقول الرابع : أن السبع المثاني هي القرآن كله وهذا قول طاوس وحجة هذا القول أن الله سبحانه وتعالى قال { الله نزل أحسن الحديث كتاباً متشابهاً مثاني } وسمي القرآن كله مثاني لأن الأخبار والقصص والأمثال ثنيت فيه فإن قلت : كيف يصح عطف القرآن في قوله { والقرآن العظيم } على قوله { سبعاً من المثاني } وهل هو إلا عطف الشيء على نفسه ؟ قلت : إذا عني بالسبع المثاني فاتحة الكتاب أو السبع الطوال فما وراءهن ينطلق عليه القرآن لأن القرآن اسم يقع على البعض كما يقع على الكل ألا ترى إلى قوله بما أوحينا إليك هذا القرآن يعني سورة يوسف عليه السلام . وإذا عنى بالسبع المثاني القرآن كله كان المعنى ولقد آتيناك سبعاً من المثاني ، وهي القرآن العظيم وإنما سمي القرآن عظيماً ، لأنه كلام الله ووحيه أنزله على خير خلقه محمد صلى الله عليه وسلم . قوله { لا تمدن عينيك } الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم أي لا تمدن عينيك يا محمد { إلى ما متعنا به أزواجاً } يعني أصنافاً { منهم } يعني من الكفار متمنياً لها نهى الله عز وجل رسوله صلى الله عليه وسلم عن الرغبة في الدنيا ، ومزاحمة أهله عليها والمعنى أنك قد أوتيت القرآن العظيم الذي فيه غنى عن كل شيء ، فلا تشغل قلبك وسرك بالالتفات إلى الدنيا والرغبة فيها . روي أن سفيان بن عيينة تأول قول النبي صلى الله عليه وسلم « ليس منا من لم يتغن بالقرآن » يعني من لم يستغن بالقرآن فتأول هذه الآية . قيل : إنما يكون مادّاً عينيه إلى الشيء ، إذا أدام النظر إليه مستحسناً له فيحصل من ذلك تمني ذلك الشيء المستحسن ، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينظر إلى شيء من متاع الدنيا ولا يلتفت إليه ولا يستحسنه { ولا تحزن عليهم } يعني ولا تغتم على ما فاتك من مشاركتهم في الدنيا وقيل ولا تحزن على إيمانهم إذا لم يؤمنوا ففيه النهي عن الالتفات إلى أموال الكفار ، والالتفات إليهم أيضاً وروى البغوي بسنده عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « لا تغبطن فاجراً بنعمته فإنك لا تدري ما هو لاق بعد موته أن له عند الله قاتلاً لا يموت قيل : وما هو ؟ قال : النار » ( ق ) عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إذا نظر أحدكم إلى من فضل عليه في المال ، والخلق فلينظر إلى من هو أسفل منه » لفظ البخاري ولمسلم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « انظروا إلى من هو أسفل منكم و لا تنظروا إلى من هو فوقكم ، فهو أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم » قال عوف بن عبد الله بن عتبة : كنت أصحب الأغنياء فما كان أحد أكثر هماً مني كنت أرى دابة خيراً من دابتي وثوباً خيراً من ثوبي ، فلما سمعت هذه الحديث صحبت الفقراء فاسترحت . وقوله سبحانه وتعالى { واخفض جناحك } يعني ليِّن جانبك { للمؤمنين } وارفق بهم لما نهاه الله سبحانه وتعالى عن الالتفات إلى الأغنياء من الكفار ، أمره بالتواضع واللين والرفق بفقراء المسلمين وغيرهم من المؤمنين .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.