السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{لَا تَمُدَّنَّ عَيۡنَيۡكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعۡنَا بِهِۦٓ أَزۡوَٰجٗا مِّنۡهُمۡ وَلَا تَحۡزَنۡ عَلَيۡهِمۡ وَٱخۡفِضۡ جَنَاحَكَ لِلۡمُؤۡمِنِينَ} (88)

ولما عرف سبحانه وتعالى رسوله عظيم نعمه عليه فيما يتعلق بالدين وهو أنه آتاه سبعاً من المثاني والقرآن العظيم نهاه عن الرغبة في الدنيا بقوله تعالى : { لا تمدّنّ عينيك } أي : لا تشغل سرّك وخاطرك بالالتفات { إلى ما متعنا به أزواجاً منهم } أي : أصنافاً من الكفار والزوج في اللغة الصنف وقد أوتيت القرآن العظيم الذي فيه غنى عن كل شيء . قال أبو بكر رضي الله تعالى عنه : من أوتي القرآن فرأى أنّ أحداً أوتي في الدنيا أفضل مما أوتي فقد صغّر عظيماً وعظّم صغيراً . وتأوّل سفيان بن عيينة هذه الآية بقول النبيّ صلى الله عليه وسلم «ليس منا من لم يتغنّ بالقرآن » ، أي : لم يستغن . وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : { لا تمدّنّ عينيك } أي : لا تتمنّ ما فضلنا به أحداً من متاع الدنيا ، وقيل : أتت من بعض البلاد سبع قوافل ليهود قريظة والنضير فيها أنواع البز والطيب والجوهر وسائر الأمتعة فقال المسلمون : لو كانت هذه الأموال لنا لتقوينا بها وأنفقناها في طاعة الله تعالى فقال الله تعالى : لقد أعطيتكم سبع آيات هنّ خير من هذه القوافل السبع . وقرّر الواحدي هذا المعنى فقال : إنما يكون مادًّا عينيه إلى الشيء إذا أدام النظر نحوه وإدامة النظر إلى الشيء تدل على استحسانه وتمنيه . وكان النبيّ صلى الله عليه وسلم لا ينظر إلى ما يستحسن من متاع الدنيا . روي أنه نظر إلى نعم بني المصطلق وقد عوست في أبوالها وأبعارها وهو أن تجف أبوالها وأبعارها على أفخاذها إذا تركت من العمل أيام الربيع فتكثر شحومها ولحومها وهي أحسن ما تكون . وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «انظروا إلى من هو أسفل منكم ، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم فهو أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم » . وقوله تعالى : { ولا تحزن عليهم } نهي له عن الالتفات إليهم إن لم يؤمنوا فيخلصوا أنفسهم من النار .

ولما نهاه سبحانه وتعالى عن الالتفات إلى أولئك الأغنياء من الكفار أمره بالتواضع لفقراء المسلمين بقوله تعالى : { واخفض جناحك } أي : ألن جانبك { للمؤمنين } أي : العريقين في هذا الوصف واصبر نفسك معهم وارفق بهم .