اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{لَا تَمُدَّنَّ عَيۡنَيۡكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعۡنَا بِهِۦٓ أَزۡوَٰجٗا مِّنۡهُمۡ وَلَا تَحۡزَنۡ عَلَيۡهِمۡ وَٱخۡفِضۡ جَنَاحَكَ لِلۡمُؤۡمِنِينَ} (88)

قوله تعالى : { لاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إلى مَا مَتَّعْنَا } الآية لما عرف رسوله عظيم نعمه عليه فما يتعلق بالدِّين ، وهو أنه تعالى آتاه سبعاً من المثاني ، والقرآن العظيم نهاه عن الرغبة في الدنيا فقال : { لاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ } ، أي لا تشتغل سرك ، وخاطرك بالالتفات إلى الدنيا ، وقد أوتيت القرآن العظيم .

قال أبو بكر -رضي الله عنه- " مَنْ أوتِي القرآن فرَأى أنَّ أحَداً أوتِي مِنَ الدنيَا أفضل ممَّا أوتِي ، فقَد صَغَّرَ عَظِيماً وعَظَّمَ صَغِيراً " {[19636]} . وتأوَّل سفيان بن عيينة هذه الآية بقول النبي صلى الله عليه وسلم : " ليْسَ مِنَّا من لمْ يتغنَّ بالقُرآنِ " أي لم يستغن{[19637]} .

وقال ابن [ عبَّاسٍ ]{[19638]} -رضي الله عنهما- : " لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ " ، أي لا تتمنّ ما فضلنا به أحداً من متاع الدُّنيا{[19639]} .

وقرَّر الواحديُّ هذا المعنى فقال : " إنَّما يكون مادًّا عينيه إلى الشيء ، إذا أدام النَّظر نحوه ، وإدامةٌ النَّظر إلى الشَّيء تدلُّ على استحسانه ، وتمنِّيه ، وكان النبي صلى لله عليه وسلم لا ينظر إلى ما يستحسن من متاع الدنيا " .

وروي أنه صلى الله عليه وسلم " نظر إلى نَعَم بَنِي المُصطلقِ ، وقد [ عَبِسَتْ ]{[19640]} في أبْوالِهَا ، وأبْعارِهَا ؛ فَتقنَّعَ في ثَوْبهِ ؛ وقَرأ هذِه الآية " {[19641]} .

قوله : " عَبِستْ في أبْوالِهَا وأبْعَارِهَا " هون أن تجف أبعارها ، وأبوالها على أفخاذها ، إذا تركت من العمل أيَّام الربيع ؛ فيكثر شحومها ، ولحومها ، وهي أحسن ما تكون .

قوله : { أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ } .

قال ابن قتيبة : أي أصنافاً من الكُفَّار ، والزَّوْجُ في اللغة : الصِّنف { وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ } ؛ لأنهم لم يؤمنوا لم يؤمنوا ، فيتقوى بإسلامهم ، ثم قال عز وجل { واخفض جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ } .

الخفض : معناه في اللغة : نقيض الرفع ، ومنه قوله تعالى في وصف القيامة { خَافِضَةٌ رَّافِعَةٌ } [ الواقعة : 3 ] ، أي : أنَّها تخفض أهل المعاصي ، وترفع أهل الطَّاعة ، وجناح الإنسان : يدهُ .

قال الليثُ -رضي الله عنه- يد الإنسان : جناحه ، قال تعالى : { واضمم إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرهب } [ القصص : 32 ] ، وخفض الجناح كناية عن اللِّين ، والرّفقِ ، والتَّواضع ، والمقصود : أنه نهاه عن الالتفات إلى الأغنياء من الكفار ، وأمره بالتَّواضع لفقراءِ المؤمنين [ ونظيره ]{[19642]} { أَذِلَّةٍ عَلَى المؤمنين أَعِزَّةٍ عَلَى الكافرين } [ المائدة : 54 ] ، وقوله : { أَشِدَّاءُ عَلَى الكفار رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ } [ الفتح : 29 ] .


[19636]:ذكره الرازي في "تفسيره" (19/167).
[19637]:تقدم.
[19638]:في أ: مسعود.
[19639]:ذكره الرازي في "تفسيره" (19/167).
[19640]:في ب: غرست.
[19641]:ذكره السيوطي في "الدر المنثور" (4/197) وعزاه إلى أبي عبيد وابن المنذر عن يحيى بن أبي كثير مرسلا.
[19642]:سقط من: ب.