الآية : 88 : وقوله تعالى : { لا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم } يحتمل المراد بقوله : { عينيك } نفس العين .
أحدهما : نهى رسوله أن ينظر إلى ما متع أولئك مثل نظرهم ، لأنهم ظنوا أنهم إنما متعوا هذه الأموال في الدنيا .
لخطرهم وقدرهم عند الله ، وعلى ذلك [ قال من قال ]{[9986]} : { ولئن رددت إلى ربي لأجدن خيرا منها منقلبا } ( الكهف : 36 ) وقال : { ولئن رجعت إلى ربي } الآية ( فصلت : 50 ) ونحوه . ظنوا أنهم إنما متعوا في هذه الدنيا لخطرهم وقدرهم عند الله ، لذلك قالوا ما قالوا ، فنهاه أن ينظر إلى ذلك بعين الذين نظروا هم إليه ، ولكن بالاعتبار .
والثاني : نهان أن ينظر إلى ذلك نظر الاستكبار والتجبر على المؤمنين والاستهزاء بهم على ما نظروا هم ، لأنهم بما متعوا من أنواع المال استكبروا على الناس ، واستهزؤوا بهم ؛ إذ البصر قد يقع من غير تكلف ، فيصير كأنه نهاه عن الرغبة والاختيار في ما متعوا فيه ، لأن ما متعوا به هو ما ذكر : { فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم إنما يريد الله ليعذبهم بها في الحياة الدنيا } ( التوبة : 55 و 85 ) وقال في آية أخرى : { لنفتنهم فيه } ( طه : 131 ) .
وقوله تعالى : { لا تمدن عينيك إلى ما } متعوا فإنهم إنما متعوا لما ذكر .
ويحتمل النهي عن مد العين لا العين نفسها{[9987]} ، ولكن نفسه . كأنه [ قال ]{[9988]} : لا تمنين نفسك في ما متعوا هم ، فلا ترغبنهما في ذلك ؛ فإنه ليس يوسع ذلك عليهم لخطرهم وقدرهم ، ولكن ليعلم أن ليس لذلك خطر عند الله وقدر حين{[9989]} أعطى من افترى على الله ، وجحد نعمه وفضله .
وفي الآية تفضيل الفقر على الغنى لأنه نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يمد عينيه إلى ما متعوا . معلوم أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا مد [ عينيه ]{[9990]} إلى ذلك ، ليس يمد للدنيا ، ولا لشهواته ، ولكن ليستعين به في أمر جهاد عدوه ، ويعين به أصحابه في سبيل الخيرات ، ثم نهاه مع ذلك عنه .
دل أن الخير والأفضل ما اختاره من الفقر وقصور ذات يده ، والله أعلم .
وقوله تعالى : { أزواجا منهم } أي أصنافا من الأموال وألوانا من النعم . قال بعضهم : { أزواجا منهم } أي الأغنياء منهم وأشباها .
فإن كان قوله : { أزواجا منهم } هو أصناف الأموال فهو على التقديم والتأخير . كأنه قال : لا تمدن عينيك إلى ما متعنا منهم أزواجا ؛ هو أصناف الناس ، فهو على النظم الذي جرى به التنزيل ؛ أي لا تمدن عينيك إلى ما متعنا به قوما منهم .
وفي قوله : { لا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم } دلالة النقض قول المعتزلة ؛ لأنهم يقولون : إن الله لا يعطي أحدا شيئا إلا هو أصلح له في الدين . ولو كان ما متع هؤلاء أصلح لهم في الدين لم ينه رسوله عن مد عينيه إليه . دل أنه قد يعطي ما ليس أصلح في الدين . وكذلك قوله : { ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملى لهم خير لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثما } ( آل عمران : 178 ) .
أخبره أنه { إنما نملى لهم ليزدادوا إثما } وهم يقولون : نملي لهم ليزدادوا خيرا . وكذلك قوله : { ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خير لهم بل هو شر لهم } الآية : ( آل عمران : 180 ) هذه الآيات كلها تنقض عليهم قولهم ، وقد ذكرنا هذا في غير موضع فيما تقدم .
وقوله تعالى : { ولا تحزن عليهم } يحتمل /280 – أ / نهي نفسه ، ونهاه أن يحزن عليهم إشفاقا عليهم ، بل أمره أن يغلظ عليهم كقوله : { جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم } ( التوبة : 73 ) يحتمل النهي نفسه .
وعلى هذا يخرج قوله : { واخفض جناحك للمؤمنين } أي ارفق بهم ، وتلين عليهم ، وشدد على أولئك ، وأغلظ عليهم ، وهم ما وصفهم ( بقوله ){[9991]} { أشداء على الكفار رحماء بينهم } ( الفتح : 29 ) [ وقوله ]{[9992]} { أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين } ( المائدة : 54 ) أخبر أنهم أهل شدة على الكفار وأهل غلظة { رحماء بينهم } وأهل ذلة على المؤمنين وأهل شدة عليهم ، أي على الكفار ، فعلى ذلك هذا .
يحتمل أن ليس على النهي ، ولكن على التخفيف والتسلي ورفع الحزن عن نفسه لأنه كان يحزن لكفرهم بالله وتركهم الإيمان حتى كادت نفسهم تتلف لذلك كقوله : { فلعلك باخع نفسك } الآية ( الكهف : 6 والشعراء : 3 ) وقوله : { فلا تذهب نفسك عليهم حسرات } ( فاطر : 8 ) وأمثاله .
ويحتمل أيضا وجها آخر ، وهو أنه كان يحزن عليهم ، ويضيق صدره لما مكروا به ، وكيدهم كقوله : { ولا تحزن عليهم ولا تكن في ضيق مما يمكرون } ( النحل : 127 و النمل : 70 ) فإني أكافئهم ، والله أعلم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.