المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية  
{لَا تَمُدَّنَّ عَيۡنَيۡكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعۡنَا بِهِۦٓ أَزۡوَٰجٗا مِّنۡهُمۡ وَلَا تَحۡزَنۡ عَلَيۡهِمۡ وَٱخۡفِضۡ جَنَاحَكَ لِلۡمُؤۡمِنِينَ} (88)

وقوله { لا تمدن عينيك } الآية ، حكى الطبري ، عن سفيان بن عيينة أنه قال هذه الآية أمر بالاستغناء بكتاب الله عن جميع زينة الدنيا ، وهي ناظرة إلى قوله عليه السلام :

«ليس منا من لم يتغن بالقرآن »{[7220]} أي يستغني به .

قال القاضي أبو محمد : فكأنه قال : ولقد آتيناك عظيماً خطيراً فلا تنظر إلى غير ذلك من أمور الدنيا وزينتها التي متعنا بها أنواعاً من هؤلاء الكفرة ، ومن هذا المعنى قول النبي صلى الله عليه وسلم : «من أوتي القرآن فرأى أن أحداً أعطي أفضل مما أعطي فقد عظم صغيراً ، وصغر عظيماً »{[7221]} وكأن «مد العين » يقترن به تمنَّ ، ولذلك عبر عن الميل إلى زينة الدنيا ب «مد العين » و «الأزواج » هنا الأنواع والأشباه ، وقوله { ولا تحزن عليهم } أي لا تتأسف لكفرهم وهلاكهم ، واصرف وجهك وتحفيك إلى من آمن بك { واخفض } لهم { جناحك } وهذه استعارة بمعنى لين جناحك ووطىء أكنافك . «والجناح » الجانب والجنب ، ومنه { واضمم يدك إلى جناحك }{[7222]} [ طه : 22 ] فهو أمر بالميل إليهم ، والجنوح الميل .


[7220]:أخرجه البخاري في التوحيد، وأبو داود في الوتر، والدارمي في الصلاة وفي فضائل القرآن، والإمام أحمد (1 ـ 172 ، 175، 179)، وفي رواية الإمام أحمد بعد أن ذكر الحديث قال وكيع: "يعني: يستغني به"، ووكيع هو الراوي.
[7221]:رواه أبو القاسم الطبراني عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما مرفوعا بلفظ: (من قرأ القرآن فرأى أن أحدا أوتي أفضل مما أوتي فقد استصغر ما عظم الله)، (راجع ج ص 15 ) من هذا الكتاب.
[7222]:من الآية (22) من سورة (طه).