فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{لَا تَمُدَّنَّ عَيۡنَيۡكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعۡنَا بِهِۦٓ أَزۡوَٰجٗا مِّنۡهُمۡ وَلَا تَحۡزَنۡ عَلَيۡهِمۡ وَٱخۡفِضۡ جَنَاحَكَ لِلۡمُؤۡمِنِينَ} (88)

{ لاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ ( 88 ) }

ثم لما بين الله لرسوله الله صلى الله عليه وآله وسلم ما أنعم به عليه من هذه النعمة الدينية نفرة الله عن اللذات العاجلة الزائلة فقال : { لاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ } أي لا تطمح ببصرك إلى زخارف الدنيا طموح رغبة فيها وتمن لها ؛ قال الواحدي : إنما يكون مادا عينيه إلى الشيء إذا أدام النظر نحوه وإدامة النظر إليه تدل على استحسانه وتمنيه .

وقال بعضهم : المعنى لا تحسدن أحدا على ما أوتي من الدنيا ، ورد بأن الحسد منهى عنه مطلقا ، وإنما قال في هذه السورة لا تمدن بغير واو ؛ لأنه لم يسبقه طلب بخلاف ما في سورة طه .

وعن ابن عباس قال : في قوله لا تمدن عينيك نهى الرجل أن يتمنى مال صاحبه والأزواج والأصناف قاله ابن قتيبة . وقال الجوهري : الأزواج القرناء ؛ وقيل يعني اليهود والنصارى والمجوس . وعن مجاهد في قوله أزواجا منهم ، قال الأغنياء الأمثال والأشباه .

وعن سفيان بن عيينة قال : من أعطي القرآن فمد عينيه إلى شيء مما صغر القرآن فقد خالف القرآن ألم تسمع قوله : { ولقد آتيناك سبعا من المثاني } إلى قوله : { ورزق ربك خير وأبقى } وقد فسر ابن عيينة أيضا الحديث الصحيح ( ليس منا من لم يتغن بالقرآن ) {[1038]} فقال إن المعنى لم يستغن به .

ثم لما نهاه عن الالتفات إلى أموالهم وأمتعتهم نهاه عن الالتفات إليهم فقال : { وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ } حيث لم يؤمنوا وصمموا على الكفر والعناد . وقيل المعنى لا تحزن على ما متعوا به في الدنيا وفاتك من مشاركتهم فيها فإن لك الآخرة ؛ والأول أولى .

روى البغوي بسنده عن أبي هريرة قال ؛ قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ( لا تغبطن فاجرا بنعمته فإنك لا تدري ما هو لاق بعد موته إن له عند الله قاتلا لا يموت ، قيل وما هو ؟ قال النار ) {[1039]} .

وعنه عند مسلم مرفوعا : ( انظروا إلى من هو أسفل منكم ولا تنظروا إلى من هو فوقكم فهو أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم ) {[1040]} قال عوف : كنت أصحب الأغنياء فما كان أحدا أكثرهما مني ، كنت أرى دابة خيرا من دابتي وثوبا خيرا من ثوبي ، فلما سمعت هذا الحديث صحبت الفقراء فاسترحت .

ثم لما نهاه عن أن يمد عينيه إلى أموال الكفار وأن يحزن عليهم وكان ذلك يستلزم التهاون بهم وبما معهم أمره أن يتواضع للمؤمنين فقال : { وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ } خفض الجناح كناية عن التواضع ولين الجانب ، ومنه قوله سبحانه : { واخفض لهما جناح الذل } وأصله أن الطائر إذا ضم فرخه إلى نفسه بسط جناحه ثم قبضه على الفرخ ، فجعل ذلك وصفا لتواضع الإنسان لأتباعه ، ويقال فلان خافض الجناح أي وقور ساكن ، والجناحان من ابن آدم جانباه ، ومنه واضمم يدك إلى جناحك .


[1038]:البخاري، كتاب التوحيد، باب – 44 أبو داود، كتاب الوتر، الباب 20.
[1039]:مشكاة المصابيح 5248.
[1040]:مسلم 2963 – البخاري 2434.