جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{فَإِنۡ أَعۡرَضُواْ فَمَآ أَرۡسَلۡنَٰكَ عَلَيۡهِمۡ حَفِيظًاۖ إِنۡ عَلَيۡكَ إِلَّا ٱلۡبَلَٰغُۗ وَإِنَّآ إِذَآ أَذَقۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ مِنَّا رَحۡمَةٗ فَرِحَ بِهَاۖ وَإِن تُصِبۡهُمۡ سَيِّئَةُۢ بِمَا قَدَّمَتۡ أَيۡدِيهِمۡ فَإِنَّ ٱلۡإِنسَٰنَ كَفُورٞ} (48)

القول في تأويل قوله تعالى : { فَإِنْ أَعْرَضُواْ فَمَآ أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً إِنْ عَلَيْكَ إِلاّ الْبَلاَغُ وَإِنّآ إِذَآ أَذَقْنَا الإِنسَانَ مِنّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا وَإِن تُصِبْهُمْ سَيّئَةٌ بِمَا قَدّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنّ الإِنسَانَ كَفُورٌ } .

يقول تعالى ذكره : فإن أعرض هؤلاء المشركون يا محمد عما أتيتهم به من الحقّ ، ودعوتهم إليه من الرشد ، فلم يستجيبوا لك ، وأبَوْا قبوله منك ، فدعهم ، فإنا لن نرسلك إليهم رقيبا عليهم ، تحفظ عليهم أعْمالهم وتحصيها إنْ عَلَيْكَ إلاّ البَلاغُ يقول : ما عليك يا محمد إلا أن تبلغهم ما أرسلناك به إليهم من الرسالة ، فإذا بلغتهم ذلك ، فقد قضيت ما عليك وَإنّا إذَا أذَقْنا الإنْسانَ منّا رَحْمَةً فَرِحَ بِها يقول تعالى ذكره : فإنا إذا أغنينا ابن آدم فأعطيناه من عندنا سعة ، وذلك هو الرحمة التي ذكرها جلّ ثناؤه ، فرح بها : يقول : سرّ بما أعطيناه من الغِنى ، ورزقناه من السّعة وكثرة المال ، وَإنْ تُصِبْهُمْ سَيّئَةٌ يقول : وإن أصابتهم فاقة وفقر وضيق عيش بِما قَدّمَتْ أيْدِيهِمْ يقول : بما أسلفت من معصية الله عقوبة له على معصيته إياه ، جحد نعمة الله ، وأيس من الخير فإنّ الإنْسانَ كَفُورٌ يقول تعالى ذكره : فإن الإنسان جحود نعم ربه ، يعدّد المصائب ، ويجحد النعم . وإنما قال : وَإنْ تُصْبِهُمْ سَيّئَةٌ فأخرج الهاء والميم مخرج كناية جمع الذكور ، وقد ذكر الإنسان قبل ذلك بمعنى الواحد ، لأنه بمعنى الجمع .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{فَإِنۡ أَعۡرَضُواْ فَمَآ أَرۡسَلۡنَٰكَ عَلَيۡهِمۡ حَفِيظًاۖ إِنۡ عَلَيۡكَ إِلَّا ٱلۡبَلَٰغُۗ وَإِنَّآ إِذَآ أَذَقۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ مِنَّا رَحۡمَةٗ فَرِحَ بِهَاۖ وَإِن تُصِبۡهُمۡ سَيِّئَةُۢ بِمَا قَدَّمَتۡ أَيۡدِيهِمۡ فَإِنَّ ٱلۡإِنسَٰنَ كَفُورٞ} (48)

وقوله تعالى : { فإن أعرضوا فما أرسلناك عليهم حفيظاً } تأنيس لمحمد عليه السلام وإزالة لهمه بهم ، وأعلمه أنه ليس عليه إلا البلاغ وتوصيل الحجة ، ثم جاءت عبارة في باقي الآية هي بمنزلة ما يقول ، والقوم قوم عتو وتناقض أخلاق واضطراب ، إذا أذيقوا رحمة فرحوا بها وبطروا ، وإن أصابت سيئة أي مصيبة تسوءهم في أجسامهم أي في نفوسهم ، وذلك بذنوبهم وقبيح فعلهم فإنهم كفر عند ذلك غير صبر . وعبر ب { الإنسان } الذي هو اسم عام ليدخل في الآية والمذمة جميع الكفرة من المجاورين يومئذ ومن غيرهم ، وجمع الضمير في قوله : { تصبهم } وهو عائد على لفظ { الإنسان } من حيث هو اسم جنس يعم كثيراً .