جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري  
{۞ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلًا عَبۡدٗا مَّمۡلُوكٗا لَّا يَقۡدِرُ عَلَىٰ شَيۡءٖ وَمَن رَّزَقۡنَٰهُ مِنَّا رِزۡقًا حَسَنٗا فَهُوَ يُنفِقُ مِنۡهُ سِرّٗا وَجَهۡرًاۖ هَلۡ يَسۡتَوُۥنَۚ ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِۚ بَلۡ أَكۡثَرُهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ} (75)

القول في تأويل قوله تعالى : { ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً عَبْداً مّمْلُوكاً لاّ يَقْدِرُ عَلَىَ شَيْءٍ وَمَن رّزَقْنَاهُ مِنّا رِزْقاً حَسَناً فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرّاً وَجَهْراً هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } .

يقول تعالى ذكره : وشَبّه لكم شَبها أيها الناس للكافر من عبيده ، والمؤمن به منهم . فأما مثَل الكافر : فإنه لا يعمل بطاعة الله ، ولا يأتي خيرا ، ولا ينفق في شيء من سبيل الله ماله لغلبة خذلان الله عليه ، كالعبد المملوك الذي لا يقدر على شيء فينفقه . وأما المؤمن بالله : فإنه يعمل بطاعة الله ، وينفق في سبيله ماله ، كالحرّ الذي آتاه الله مالاً فهو ينفق منه سرّا وجهرا ، يقول : بعلم من الناس وغير علم . { هَلْ يَسْتَوُونَ } يقول : هل يستوي العبد الذي لا يملك شيئا ولا يقدر عليه ، وهذا الحرّ الذي قد رزقه الله رزقا حسنا ، فهو ينفق كما وَصَف ؟ فكذلك لا يستوي الكافر العامل بمعاصي الله المخالف أمره ، والمؤمن العامل بطاعته .

وبنحو الذي قلنا في ذلك ، كان بعض أهل العلم يقول . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً عَبْدا مَمْلُوكا لا يَقْدِرُ على شَيْءٍ } ، هذا مثل ضربه الله للكافر ، رزقه مالاً فلم يقدّم فيه خيرا ولم يعمل فيه بطاعة الله ، قال الله تعالى ذكره : { وَمَنْ رَزَقْناهُ مِنّا رِزْقا حَسَنا } ، فهذا المؤمن أعطاه الله مالاً ، فعمل فيه بطاعة الله ، وأخذ بالشكر ومعرفة حقّ الله ، فأثابه الله على ما رزقه الرزق المقيم الدائم لأهله في الجنة ، قال الله تعالى ذكره : { هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلاً } ، والله ما يستويان : { الحَمْدُ لِلّهِ بَلْ أكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ } .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : { عَبْدا مَمْلُوكا لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ } ، قال : هو الكافر لا يعمل بطاعة الله ولا ينفق خيرا ، { وَمَنْ رَزَقْناهُ مِنّا رِزْقا حَسَنا } ، قال : المؤمن يطيع الله في نفسه وماله .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : { ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً عَبْدا مَمْلُوكا لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ } يعني : الكافر أنه لا يستطيع أن ينفق نفقة في سبيل الله ، { وَمَنْ رَزَقْناهُ مِنّا رِزْقا حَسَنا فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرّا وَجَهْرا } ، يعني : المؤمن ، وهذا المثل في النفقة .

وقوله : { الحَمْدُ لِلّهِ } ، يقول : الحمد الكامل لله خالصا دون ما تَدْعُون أيها القوم من دونه من الأوثان ، فإياه فاحمدوا دونها . وقوله : { بَلْ أكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ } يقول : ما الأمر كما تفعلون ، ولا القول كما تقولون ، ما للأوثان عندهم من يد ولا معروف فتُحْمد عليه ، إنما الحمد لله ، ولكن أكثر هؤلاء الكفرة الذين يعبدونها لا يعلمون أن ذلك كذلك ، فهم بجهلهم بما يأتون ويَذَرون ، يجعلونها لله شركاء في العبادة والحمد .

وكان مجاهد يقول : ضرب الله هذا المثل ، والمثل الآخر بعده لنفسه ، والآلهة التي تعبد من دونه .