التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{فَهَلۡ يَنظُرُونَ إِلَّا ٱلسَّاعَةَ أَن تَأۡتِيَهُم بَغۡتَةٗۖ فَقَدۡ جَآءَ أَشۡرَاطُهَاۚ فَأَنَّىٰ لَهُمۡ إِذَا جَآءَتۡهُمۡ ذِكۡرَىٰهُمۡ} (18)

ثم تعود السورة الكريمة إلى توبيخ هؤلاء المنافقين على غفلتهم وانطماس بصائرهم ، فتقول : { فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ الساعة أَن تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَآءَ أَشْرَاطُهَا فأنى لَهُمْ إِذَا جَآءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ } .

فالاستفهام للإِنكار والتعجب من حالهم ، وقوله { أَن تَأْتِيَهُمْ } بدل اشتمال من الساعة ، والأشراط جمع شَرط - بالتحريك مع الفتح - وهو العلامة ، وأصله الإِعلام عن الشئ .

يقال : أشرط فلان نفسه لكذا ، إذا أعلمها له وأعدها ، ومنه الشرطى - كتركى - والجمع شُرَط - بضم ففتح - سموا بذلك لأنهم أعلموا أنفسهم بعلامات يعرفون بها ، وتميزهم عن غيرهم .

وقوله : { فأنى لَهُمْ } خبر مقدم و { ذِكْرَاهُمْ } مبتدأ مؤخر ، والضمير فى قوله { جَآءَتْهُمْ } يعود إلى الساعة ، والكلام على حذف مضاف قبل قوله { ذِكْرَاهُمْ } أى : فأنى لهم نفع ذكراهم ؟

والمعنى : ما ينتظر هؤلاء الجاهلون إلا الساعة ، التى سيفاجئهم مجيؤها مفاجأة بدون مقدمات ، والحق أن علاماتها قد ظهرت دون أن يرفعوا لها رأسا ، ودون أن يعتبروا بها أو يتعظوا لاستيلاء الأهواء عليهم .

ولكنهم عندما تداهمهم الساعة بأهوالها ، ويقفون للحساب . يتذكرون ويؤمنون بالله ورسله . . ولكن إيمانهم فى ذلك الوقت لن ينفعهم ، لأنه جاء فى غير محله الذى يقبل فيه ، وتذكرهم واتعاظهم - أيضا - لن يفيدهم لأنه جاء بعد فوات الأوان .

ومن الآيات التى وردت فى هذا المعنى قوله - تعالى - : { فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا } وقوله - تعالى - : { وقالوا آمَنَّا بِهِ وأنى لَهُمُ التناوش مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ } وقوله - عز وجل - : { يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإنسان وأنى لَهُ الذكرى } قال الآلوسى : الظاهر أن المرد بأشراط الساعة هنا : علاماتها التى كانت واقعة إذ ذاك ، وأخبروا أنها علامات لها ، كبعثة نبينا - صلى الله عليه وسلم - فقد أخرج أحمد والبخارى ومسلم والترمذى عن أنس قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " بعث أنا والساعة كهاتين - وأشار بالسبابة والوسطى " .

وأخرج أحمد عن بريدة قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم يقول : " بعث أنا والساعة جميعا . وإن كادت لتسبقنى " وهذا أبلغ فى إفادة القرب .

وعدوا منها انشقاق القمر الذى وقع له - صلى الله عليه وسلم - والدخان الذى وقع لأهل مكة ، أما أشراطها مطلقا فكثيرة ، ومنها ككون الحفاة العراة رعاء الشاة يتطاولون فى البنيان .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَهَلۡ يَنظُرُونَ إِلَّا ٱلسَّاعَةَ أَن تَأۡتِيَهُم بَغۡتَةٗۖ فَقَدۡ جَآءَ أَشۡرَاطُهَاۚ فَأَنَّىٰ لَهُمۡ إِذَا جَآءَتۡهُمۡ ذِكۡرَىٰهُمۡ} (18)

16

ومن ثم يعود بعد هذه اللفتة إلى الحديث عن أولئك المنافقين المطموسين الغافلين ، الذين يخرجون من مجلس رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] ولم يعوا مما قال شيئا ينفعهم ويهديهم . ويستجيش قلوبهم للتقوى ، ويذكرهم بما ينتظر الناس من حساب وجزاء :

( فهل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة ? فقد جاء أشراطها . فأنى لهم - إذا جاءتهم - ذكراهم ? ) .

وهي جذبة قوية تخرج الغافلين من الغفلة بعنف ، كما لو أخذت بتلابيب مخمور وهززته هزا !

ماذا ينتظر هؤلاء الغافلون الذين يدخلون مجالس رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] ويخرجون منها ، غير واعين ، ولا حافظين ، ولا متذكرين ? ماذا ينتظرون ? ( فهل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة ? ) . . فتفجأهم وهم سادرون غارون غافلون .

هل ينظرون إلا الساعة ? ( فقد جاء أشراطها ) . ووجدت علاماتها . والرسالة الأخيرة أضخم هذه العلامات ، فهي إيذان بأنها النذارة الأخيرة قرب الأجل المضروب . وقد قال رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] : " بعثت أنا والساعة كهاتين " وأشار بأصبعيه السبابة والتي تليها . وإذا كان الزمن يلوح ممتدا منذ هذه الرسالة الأخيرة ؛ فإن أيام الله غير أيامنا . ولكنها في حساب الله قد جاءت الأشراط الأولى ؛ وما عاد لعاقل أن يغفل حتى تأخذه الساعة بغتة حيث لا يملك صحوا ولا ذكرا :

( فأنى لهم - إذا جاءتهم - ذكراهم ? ) . .

إنها الهزة القوية العنيفة التي تخرج الغافلين من غفلتهم ؛ والتي تتفق كذلك مع طابع السورة العنيف .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{فَهَلۡ يَنظُرُونَ إِلَّا ٱلسَّاعَةَ أَن تَأۡتِيَهُم بَغۡتَةٗۖ فَقَدۡ جَآءَ أَشۡرَاطُهَاۚ فَأَنَّىٰ لَهُمۡ إِذَا جَآءَتۡهُمۡ ذِكۡرَىٰهُمۡ} (18)

{ فهل ينظرون إلا الساعة } فهل ينتظرون غيرها . { أن تأتيهم بغتة } بدل اشتمال من { الساعة } ، وقوله : { فقد جاء أشراطها } كالعلة له ، وقرئ أن تأتهم على أنه شرط مستأنف جزاؤه : { فأنى لهم إذا جاءتهم ذكراهم } والمعنى أن تأتهم الساعة بغتة لأنه قد ظهر أماراتها كمبعث النبي صلى الله عليه وسلم ، وانشقاق القمر فكيف لهم { ذكراهم } أي تذكرهم { إذا جاءتهم } الساعة بغتة ، وحينئذ لا يفرغ له ولا ينفع .