التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{۞وَإِذَا وَقَعَ ٱلۡقَوۡلُ عَلَيۡهِمۡ أَخۡرَجۡنَا لَهُمۡ دَآبَّةٗ مِّنَ ٱلۡأَرۡضِ تُكَلِّمُهُمۡ أَنَّ ٱلنَّاسَ كَانُواْ بِـَٔايَٰتِنَا لَا يُوقِنُونَ} (82)

ثم أخذت السورة الكريمة تسوق فى أواخرها بعض أشراط الساعة وعلاماتها ، وأهوالها ، لكى تعتبر النفوس ، وتخشع لله - تعالى - . فقال - عز وجل - : { وَإِذَا وَقَعَ . . . } .

قال الإِمام ابن كثير : هذه الدابة تخرج فى آخر الزمان عند فساد الناس ، وتركهم أوامر الله ، وتبديلهم الدين الحق ، يخرج الله لهم دابة من الأرض قيل : من مكة ، وقيل من غيرها .

ثم ذكر - رحمه الله - جملة من الأحاديث فى هذا المعنى منها : ما رواه مسلم عن حذيفة بن اسيد الغفارى قال : " أشرف علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم من غرفته ، ونحن نتذاكر أمر الساعة فقال : لا تقوم الساعة حتى تروا عشر آيات : طلوع الشمس من مغربها ، والدخان ، والدابة ، وخروج يأجوج ومأجوج ، ونزول عيسى بن مريم ، والدجال ، و ثلاثة خسوف : خسف بالمغرب ، وخسف بالمشرق ، وخسف بجزيرة العرب ، ونار تخرج من قعر عدن ، تسوق - أو تحشر - الناس ، تبيت معهم حيث باتوا - وتقيل معهم حيث قالوا " .

والدابة : اسم لكل حيوان ذى روح ، سواء أكان ذكرا أم أنثى ، عاقلا أم غير عاقل ، من الدبيب وهو فى الأصل : المشى الخفيف ، واختصت فى العرف بذوات القوائم الاربع .

والمراد بوقوع القول عليهم : قرب قيام الساعة ، وانتهاء الوقت الذى يقبل فيه الإيمان من الكافر . أو الذى تنفع فيه التوبة .

والمعنى إذا دنا وقت قيام الساعة . وانتهى الوقت الذى ينفع فيه الإيمان أو التوبة . . أخرجنا للناس بقدرتنا وإرادتنا ، دابة من الأرض تكلمهم ، فيفهمون كلامها ، ويعرفون أن موعد قيام الساعة قد اقترب . و { أَنَّ الناس } أى : الكافرين { كَانُوا بِآيَاتِنَا } الدالة على وحدانيتنا وقدرتنا { لاَ يُوقِنُونَ } بها ، ولا يصدقون أن هناك بعثا وحسابا .

فخروج الدالة علامة من علامات الساعة الكبرى ، يخرجها الله - عز وجل - ليعلم الناس قرب انتهاء الدنيا وأن الحساب العادل للمؤمنين والكافرين ، آت لا شك فيه ، وأن التوبة لن تقبل فى هذا الوقت ، لأنها جاءت فى غير وقتها المناسب .

وقد ذكر بعض المفسرين أوصافا كثيرة ، منها أن طولها ستون ذارعا وأن رأسها رأس ثور ، وأذنها أذن فيل ، وصدرها صدر اسد . . الخ .

ونحن نؤمن بأن هناك دابة تخرج فى آخر الزمان ، وأنها تكلم الناس بكيفية يعلمها الله - عز وجل - أمَّا ما يتعلق بالمكان الذى تخرج منه هذه الدابة ، وبالهيئة التى تكون عليها من حيث الطول والقصر ، فنكل ذلك إلى علمه - سبحانه - حيث لم يرد حديث صحيح يعتمد عليه فى بيان ذلك .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{۞وَإِذَا وَقَعَ ٱلۡقَوۡلُ عَلَيۡهِمۡ أَخۡرَجۡنَا لَهُمۡ دَآبَّةٗ مِّنَ ٱلۡأَرۡضِ تُكَلِّمُهُمۡ أَنَّ ٱلنَّاسَ كَانُواْ بِـَٔايَٰتِنَا لَا يُوقِنُونَ} (82)

59

بعد ذلك يجول بهم جولة أخرى في أشراط الساعة ، وبعض مشاهدها ، قبل الإيقاع الأخير الذي يختم به السورة . . جولة يذكر فيها ظهور الدابة التي تكلم الناس الذين كانوا لا يؤمنون بآيات الله الكونية . ويرسم مشهدا للحشر والتبكيت للمكذبين بالآيات وهم واجمون صامتون . ويعود بهم من هذا المشهد إلى آيتي الليل والنهار المعروضتين للأبصار وهم عنها غافلون . ثم يرتد بهم ثانية إلى مشهد الفزع يوم ينفخ في الصور ، ويوم تسير الجبال وتمر مر السحاب ؛ ويعرض عليهم مشهد المحسنين آمنين من ذلك الفزع ، والمسيئين كبت وجوههم في النار :

( وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم ، أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون ) .

ويوم نحشر من كل أمة فوجا ممن يكذب بآياتنا فهم يوزعون . حتى إذا جاءوا قال : أكذبتم بآياتي ولم تحيطوا بها علما ? أم ماذا كنتم تعملون ? ووقع القول عليهم بما ظلموا فهم لا ينطقون .

( ألم يروا أنا جعلنا الليل ليسكنوا فيه والنهار مبصرا ? إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون . )

( ويوم ينفخ في الصور ففزع من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ، وكل أتوه داخرين . وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب . صنع الله الذي أتقن كل شيء ، إنه خبير بما تفعلون . من جاء بالحسنة فله خير منها ، وهم من فزع يومئذ آمنون . ومن جاء بالسيئة فكبت وجوههم في النار . هل تجزون إلا ما كنتم تعملون ? ) . .

وقد ورد ذكر خروج الدابة المذكورة هنا في أحاديث كثيرة بعضها صحيح ؛ وليس في هذا الصحيح وصف للدابة . إنما جاء وصفها في روايات لم تبلغ حد الصحة . لذلك نضرب صفحا عن أوصافها ، فما يعني شيئا أن يكون طولها ستين ذراعا ، وأن تكون ذات زغب وريش وحافر ، وأن يكون لها لحية ! وأن يكون رأسها رأس ثور ، وعينها عين خنزير ، وأذنها أذن فيل . وقرنها قرن أيل ، وعنقها عنق نعامة ، وصدرها صدر أسد ، ولونها لو نمر ، وخاصرتها خاصرة هر ، وذنبها ذنب كبش ، وقوائمها قوائم بعير . . . إلخ هذه الأوصاف التي افتن فيها المفسرون !

وحسبنا أن نقف عند النص القرآني والحديث الصحيح الذي يفيد أن خروج الدابة من علامات الساعة ، وأنه إذا انتهى الأجل الذي تنفع فيه التوبة وحق القول على الباقين فلم تقبل منهم توبة بعد ذلك وإنما يقضى عليهم بما هم عليه . . عندئذ يخرج الله لهم دابة تكلمهم . والدواب لا تتكلم ، أو لا يفهم عنها الناس . ولكنهم اليوم يفهمون ، ويعلمون أنها الخارقة المنبئة باقتراب الساعة . وقد كانوا لا يؤمنون بآيات الله ، ولا يصدقون باليوم الموعود .

ومما يلاحظ أن المشاهد في سورة النمل مشاهد حوار وأحاديث بين طائفة من الحشرات والطير والجن وسليمان عليه السلام . فجاء ذكر( الدابة )وتكليمها الناس متناسقا مع مشاهد السورة وجوها ، محققا لتناسق التصوير في القرآن ، وتوحيد الجزيئات التي يتألف منها المشهد العام .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{۞وَإِذَا وَقَعَ ٱلۡقَوۡلُ عَلَيۡهِمۡ أَخۡرَجۡنَا لَهُمۡ دَآبَّةٗ مِّنَ ٱلۡأَرۡضِ تُكَلِّمُهُمۡ أَنَّ ٱلنَّاسَ كَانُواْ بِـَٔايَٰتِنَا لَا يُوقِنُونَ} (82)

هذه الدابة تخرج في آخر الزمان عند فساد الناس وتَرْكِهم أوامر الله وتبديلهم الدين الحق ، يخرج الله لهم دابة من الأرض - قيل : من مكة . وقيل : من غيرها . كما سيأتي تفصيله - فَتُكَلِّم الناس على ذلك .

قال ابن عباس ، والحسن ، وقتادة - ورُوي عن علي رضي الله عنه - : تكلمهم كلاما أي : تخاطبهم مخاطبة .

وقال عطاء الخراساني : تكلمهم فتقول لهم : إن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون . ويروى هذا عن علي ، واختاره ابن جرير . وفي هذا [ القول ]{[22153]} نظر لا يخفى ، والله أعلم .

وقال ابن عباس - في رواية - تجرحهم . وعنه رواية ، قال : كلا{[22154]} تفعل يعني هذا وهذا ، وهو قولٌ حسن ، ولا منافاة ، والله أعلم .

وقد ورد في ذكر الدابة أحاديث وآثار كثيرة ، فلنذكر ما تيسر منها ، والله المستعان :

قال الإمام أحمد : حدثنا سفيان ، عن فُرَات ، عن أبي الطفيل ، عن حُذَيفة بن أسيد الغفاري قال : أشرف علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم من غرفة ونحن نتذاكر أمر الساعة فقال : لا تقوم الساعة حتى تَرَوا عشر آيات : طلوع الشمس من مغربها ، والدخان ، والدابة ، وخروج يأجوج ومأجوج ، وخروج عيسى بن مريم ، والدجال ، وثلاثة خسوف : خسف بالمغرب ، وخسف بالمشرق ، وخسف بجزيرة العرب ، ونار تخرج من قَعر عدن تسوق - أو : تحشر - الناس ، تبيت معهم حيث باتوا ، وتقيل معهم حيث قالوا " {[22155]} .

وهكذا رواه مسلم وأهل السنن ، من طرق ، عن فُرَات القزاز ، عن أبي الطفيل عامر بن واثلة ، عن حُذَيفة موقوفا{[22156]} . وقال الترمذي : حسن صحيح{[22157]} . ورواه مسلم أيضًا من حديث عبد العزيز بن رُفَيْع ، عن أبي الطفيل ، عنه مرفوعًا{[22158]}-{[22159]} . والله أعلم .

طريق أخرى : قال أبو داود الطيالسي ، عن طلحة بن عمرو ، وجرير بن حازم ، فأما طلحة فقال : أخبرني عبد الله بن عبيد الله بن عمَير الليثي : أن أبا الطفيل حدثه ، عن حذَيفة بن أسيد الغفاري أبي سَريحَةَ ، وأما جرير فقال : عن عبد الله بن عُبيد ، عن رجل من آل عبد الله بن مسعود - وحديث طلحة أتم وأحسن - قال : ذَكَرَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم الدابة فقال : " لها ثلاث خرجات من الدهر ، فتخرج خَرجة من أقصى البادية ، ولا يدخل ذكرها القرية - يعني : مكة - ثم تكمن زمانًا طويلا ثم تخرج خَرْجة أخرى دون تلك ، فيعلو ذكرها في أهل البادية ، ويدخل ذكرها القرية " يعني : مكة . - قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ثم بينما الناس في أعظم المساجد على الله حرمة وأكرمها : المسجد الحرام ، لم يَرُعْهم إلا وهي تَرْغو{[22160]} بين الركن والمقام ، تنفض عن رأسها التراب . فارفض الناس عنها شتَّى ومعًا ، وبقيت عصابة من المؤمنين ، وعرفوا أنهم لم يعجزوا الله ، فبدأت بهم فجَلَت وجوههم حتى جعلتها كأنها الكوكب الدرّي ، وولت في الأرض لا يدركها طالب ، ولا ينجو منها هارب ، حتى إن الرجل ليتعوذ منها بالصلاة ، فتأتيه من خلفه فتقول : يا فلان ، الآن تصلي ؟ فيقبل عليها فَتَسِمُهُ{[22161]} في وجهه ، ثم تنطلق ويشترك الناس في الأموال ، ويصطحبون في الأمصار ، يعرف المؤمن من الكافر ، حتى إن المؤمن ليقول : يا كافر ، اقضني حقي . وحتى إن الكافر ليقول : يا مؤمن ، اقضني حقي " {[22162]} .

ورواه ابن جرير من طريقين ، عن حذيفة بن أُسَيْد موقوفًا{[22163]} فالله أعلم . ورواه من رواية حذيفة بن اليمان مرفوعًا ، وأن ذلك في زمان عيسى بن مريم ، وهو يطوف بالبيت ، ولكن إسناده لا يصح{[22164]} .

حديث آخر : قال مسلم بن الحجاج : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا محمد بن بشر ، عن أبي حَيَّان ، عن أبي زُرْعَة ، عن عبد الله بن عمرو قال : حَفظْتُ من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثًا لم أنسه{[22165]} بعد : سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن أول الآيات خروجًا طلوع الشمس من مغربها ، وخروج الدابة على الناس ضُحى ، وأيتهما ما كانت قبل صاحبتها ، فالأخرى{[22166]} على أثرها قريبًا " {[22167]} .

حديث آخر : روى مسلم في صحيحه من حديث العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب - مولى الحُرَقَة - عن أبيه : عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " بادروا بالأعمال ستا{[22168]} : طلوع الشمس من مغربها ، أو الدخان ، أو الدجال ، أو الدابة ، أو خاصة أحدكم ، أو أمر العامة " {[22169]} . وله من حديث قتادة ، عن الحسن ، عن زياد بن رباح ، عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " بادروا بالأعمال ستا : الدجال ، والدخان ، ودابة الأرض ، وطلوع الشمس من مغربها ، وأمر العامة وخُويّصة أحدكم " {[22170]} .

حديث آخر : قال ابن ماجه : حدثنا حَرْمَلَة بن يحيى ، حدثنا ابن وهب ، أخبرني عَمْرُو بن الحارث وابن لَهِيعة ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن سِنَان بن سعد ، عن أنس بن مالك ، رضي الله عنه ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " بادروا بالأعمال ستًا : طلوع الشمس من مغربها ، والدخان ، ودابة الأرض ، والدجال ، وخُوَيّصة أحدكم ، وأمر العامة " . تفرد به{[22171]} .

حديث آخر : قال أبو داود الطيالسي أيضا : حدثنا حماد بن سلمة ، عن علي بن زيد ، عن أوس{[22172]} بن خالد ، عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " تخرج دابة الأرض ، ومعها عصا موسى وخاتم سليمان ، عليهما السلام ، فتخطم أنف الكافر بالعصا ، وتُجلي وجه المؤمن بالخاتم ، حتى يجتمع الناس على الخوان يعرف المؤمن من الكافر " .

ورواه الإمام أحمد ، عن بَهْز وعفان ويزيد بن هارون ، ثلاثتهم عن حماد بن سلمة ، به{[22173]} . وقال : " فتخطم أنف الكافر بالخاتم ، وتجلو وجه المؤمن بالعصا ، حتى إن أهل الخوان الواحد ليجتمعون فيقول هذا : يا مؤمن ، ويقول هذا : يا كافر " .

ورواه ابن ماجه ، عن أبي بكر بن أبي شيبة ، عن يونس بن محمد المؤدب ، عن حماد بن سلمة ، به{[22174]} .

حديث آخر : قال ابن ماجه : حدثنا أبو غسان محمد بن عمرو ، حدثنا أبو تُمَيْلة ، حدثنا خالد بن عُبَيْد ، حدثنا عبد الله بن بُرَيدة ، عن أبيه قال : ذهب بي رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى موضع بالبادية ، قريب من مكة ، فإذا أرض يابسة حولها رمل ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " تخرج الدابة من هذا الموضع . فإذا فِتْر في شبر " .

قال ابن بُرَيدة : فحججت بعد ذلك بسنين ، فأرانا عصًا له ، فإذا هو بعَصاي هذه{[22175]} ، كذا وكذا{[22176]} .

وقال عبد الرزاق عن مَعْمَر ، عن قتادة ؛ أن ابن عباس قال : هي دابةٌ ذات زَغَب ، لها أربع قوائم ، تخرج من بعض أودية تهامة{[22177]} .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا عبد الله بن رَجَاء ، حدثنا فضيل بن مرزوق ، عن عطية قال : قال عبد الله : تخرج الدابة من صِدْع من الصفا كجَرْي الفرس ثلاثة أيام ، لم يخرج ثلثها .

وقال محمد بن إسحاق ، عن أبان بن صالح قال : سئل عبد الله بن عمرو عن الدابة ، فقال : الدابة تخرج من تحت صخرة بجياد ، والله لو كنت معهم - أو لو شئت بعصاي الصخرة التي تخرج الدابة من تحتها . قيل : فتصنعُ ماذا يا عبد الله بن عمرو ؟ قال : تستقبل المشرق فتصرخ صرخة تنفُذُه ، ثم تستقبل الشام فتصرخ{[22178]} صرخة تنفذه ، ثم تستقبل المغرب فتصرخ صرخة تنفذه ، ثم تستقبل اليمن فتصرخ صرخة تنفذه ، ثم تروح من مكة فتصبح{[22179]} بعسفان . قيل : ثم ماذا ؟ قال : لا أعلم .

وعن عبد الله بن عمر ، أنه قال : تخرج الدابة ليلة جَمْع{[22180]} . ورواه ابن أبي حاتم . وفي إسناده ابن البيلمان{[22181]} .

وعن وهب بن منبه : أنه حكى من كلام عُزَير ، عليه السلام ، أنه قال : وتخرج من تحت سدوم دابة تكلم الناس كل يسمعها ، وتضع الحبالى قبل التمام ، ويعود الماء العذب أجاجًا ، ويتعادى الأخلاء ، وتُحرَقُ الحكمة ، ويُرفَعُ العلم ، وتكلم الأرض التي تليها . وفي ذلك الزمان يرجو الناس ما لا يبلغون ، ويتعبون فيما لا ينالون ، ويعملون فيما لا يأكلون . رواه ابن أبي حاتم ، عنه .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا أبو صالح - كاتب الليث - حدثني معاوية بن صالح ، عن أبي مريم : أنه سمع أبا هريرة ، رضي الله عنه ، يقول : إن الدابة فيها من كل لون ، ما بين قرنيها فرسخ{[22182]} للراكب .

وقال ابن عباس : هي مثل الحربة الضخمة .

وعن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، رضي الله عنه ، أنه قال : إنها دابة لها ريش وزغب وحافر ، وما لها ذنب ، ولها لحية ، وإنها لتخرج حُضْر الفرس الجواد ثلاثا ، وما خرج ثلثها{[22183]} . ورواه ابن أبي حاتم .

وقال ابن جُرَيْج ، عن ابن الزبير أنه وصف الدابة فقال : رأسها رأس ثور ، وعينها عين خنزير ، وأذنها أذن فيل ، وقرنها قرن أيَّل ، وعنقها عنق نعامة ، وصدرها صدر أسد ، ولونها لون نَمر ، وخاصرتها خاصرة هِرّ ، وذنبها ذنب كبش ، وقوائمها قوائم بعير ، بين كل مفصلين اثنا [ عشر ]{[22184]} ذراعًا ، تخرج معها عصا موسى ، وخاتم سليمان ، فلا يبقى مؤمن إلا نَكتَت في وجهه بعصا موسى نكتة بيضاء ، فتفشو تلك النكتة حتى يبيضّ لها وجهه ، ولا يبقى كافر إلا نَكَتت في وجهه نكتة سوداء بخاتم سليمان ، فتفشو تلك النكتة حتى يسود لها وجهه ، حتى إن الناس يتبايعون في الأسواق : بكم ذا يا مؤمن ، بكم ذا يا كافر ؟ وحتى إنّ أهل البيت يجلسون على مائدتهم ، فيعرفون مؤمنهم من كافرهم ، ثم تقول لهم الدابة : يا فلان ، أبشر ، أنت من أهل الجنة ، ويا فلان ، أنت من أهل النار . فذلك قول الله تعالى : { وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الأرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لا يُوقِنُونَ } {[22185]} .


[22153]:- زيادة من ف ، أ.
[22154]:- في ف : "كل".
[22155]:- رواه الإمام أحمد في المسند (4/6) ولكن باختلاف في الألفاظ ، وهذا اللفظ هو سياق حديث ابن مهدي عن سفيان وهو في المسند (4/7).
[22156]:- في ف ، أ : "به مرفوعا".
[22157]:- صحيح مسلم برقم (2901) وسنن أبي داود برقم (4311) وسنن الترمذي برقم (2183) وسنن ابن ماجه برقم (4041).
[22158]:- في ف ، أ : "موقوفا".
[22159]:- صحيح مسلم برقم (2901).
[22160]:- في أ : "تربو".
[22161]:- في أ : "فتشمه".
[22162]:- مسند الطيالسي برقم (1069).
[22163]:- تفسير الطبري (20/10).
[22164]:- تفسير الطبري (20/11).
[22165]:- في ف : "لم أنساه".
[22166]:- في ف : "والأخرى".
[22167]:- صحيح مسلم برقم (2941).
[22168]:- في ف ، أ : "ستة".
[22169]:- صحيح مسلم برقم (2947).
[22170]:- صحيح مسلم برقم (2947).
[22171]:- سنن ابن ماجه برقم (4056) وقال البوصيري في الزوائد (3/256) : "هذا إسناد حسن ، سنان بن سعد مختلف فيه وفي اسمه".
[22172]:- في هـ ، ف ، أ : "أويس". والمثبت من المسند.
[22173]:- مسند الطيالسي برقم (2564) والمسند (2/295) من حديث عفان ويزيد ، و(2/291) من حديث بهز.
[22174]:- سنن ابن ماجه برقم (4066).
[22175]:- في ف ، أ : "هذا".
[22176]:- سنن ابن ماجه برقم (4067) وقال البوصيري في الزوائد (3/259) : "هذا إسناد ضعيف".
[22177]:- تفسير عبد الرزاق (2/71).
[22178]:- في أ : "ثم تصرخ".
[22179]:- في أ : "فتضع".
[22180]:- ورواه ابن أبي شيبة في المصنف (15/180) من طريق عبد الملك بن المغيرة ، عن ابن البيلمان ، عن ابن عمر قال : "تخرج الدابة ليلة جمع والناس يسيرون إلى منى فتحملهم بين عجزها وذنبها فلا يبقى منافق إلا خطمته ، قال : وتمسح المؤمن ، قال : فيصبحون وهم أشر من الدجال".
[22181]:- في ف : "البيلماني".
[22182]:- في أ : "فرح".
[22183]:- في ف ، أ : "ثلثاها".
[22184]:- زيادة من ف ، أ.
[22185]:- وهذا من الإسرائيليات مما لا فائدة من ذكره ، وأوصاف الدابة لا يعلمها إلا الله سبحانه وتعالى.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{۞وَإِذَا وَقَعَ ٱلۡقَوۡلُ عَلَيۡهِمۡ أَخۡرَجۡنَا لَهُمۡ دَآبَّةٗ مِّنَ ٱلۡأَرۡضِ تُكَلِّمُهُمۡ أَنَّ ٱلنَّاسَ كَانُواْ بِـَٔايَٰتِنَا لَا يُوقِنُونَ} (82)

هذا انتقال إلى التذكير بالقيامة وما ادخر لهم من الوعيد . فهذه الجملة معطوفة على الجمل قبلها عطف قصة على قصة . ومناسبة ذكرها ما تقدم من قوله { إنك لا تسمع الموتى } إلى قوله { عن ضلالتهم } [ النمل : 80 ، 81 ] . والضمير عائد إلى الموتى والصم والعمي وهم المشركون .

و { القول } أريد به أخبار الوعيد التي كذبوها متهكمين باستبطاء وقوعها بقولهم { متى هذا الوعد إن كنتم صادقين } [ النمل : 71 ] ، فالتعريف فيه للعهد يفسره المقام .

والوقوع مستعار لحلول وقته وذلك من وقت تهيؤ العالم للفناء إلى أن يدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار .

والآية تشير إلى شيء من أشراط حلول الوعيد الذي أنذروا به وهو الوعيد الأكبر يعني وعيد البعث ، فتشير إلى شيء من أشراط الساعة وهو من خوارق العادات . والتعبير عن وقوعه بصيغة الماضي لتقريب زمن الحال من المضي ، أي أشرف وقوعه ، على أن فعل المضي مع ( إذا ) ينقلب إلى الاستقبال .

والدابة : اسم للحي من غير الإنسان ، مشتق من الدبيب ، وهو المشي على الأرض وهو من خصائص الأحياء . وتقدم الكلام على لفظ { دابة } في سورة الأنعام ( 38 ) . وقد رويت في وصف هذه الدابة ووقت خروجها ومكانه أخبار مضطربة ضعيفة الأسانيد فانظرها في « تفسير القرطبي » وغيره إذ لا طائل في جلبها ونقدها .

وإخراج الدابة من الأرض ليريهم كيف يحي الله الموتى إذ كانوا قد أنكروا البعث . ولا شك أن كلامها لهم خطاب لهم بحلول الحشر . وإنما خلق الله الكلام لهم على لسان دابة تحقيراً لهم وتنديماً على إعراضهم عن قبول أبلغ كلام وأوقعه من أشرف إنسان وأفصحه ، ليكون لهم خزياً في آخر الدهر يعيرون به في المحشر . فيقال : هؤلاء الذين أعرضوا عن كلام رسول كريم فخوطبوا على لسان حيوان بهيم . على نحو ما قيل : استفادة القابل من المبدإ تتوقف على المناسبة بينهما .

وجملة { إن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون } تعليل لإظهار هذا الخارق للعادة حيث لم يوقن المشركون بآيات القرآن فجعل ذلك إلجاء لهم حين لا ينفعهم .

وقرأ الجمهور { إن الناس } بكسر همزة ( إن ) ، وموقع ( إن ) في مثل هذا التعليل . وقرأ عاصم وحمزة والكسائي { أن الناس } بفتح الهمزة وهي أيضاً للتعليل لأن فتح همزة ( أن ) يؤذن بتقدير حرف جر وهو باء السببية ، أي تكلمهم بحاصل هذا وهو المصدر . والمعنى : أنها تسجل على الناس وهم المشركون عدم تصديقهم بآيات الله . وهو تسجيل توبيخ وتنديم لأنهم حينئذ قد وقع القول عليهم ف { لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل } [ الأنعام : 158 ] . وحمل هذه الجملة على أن تكون حكاية لما تكلمهم به الدابة بعيد .