فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِٱلۡجُنُودِ قَالَ إِنَّ ٱللَّهَ مُبۡتَلِيكُم بِنَهَرٖ فَمَن شَرِبَ مِنۡهُ فَلَيۡسَ مِنِّي وَمَن لَّمۡ يَطۡعَمۡهُ فَإِنَّهُۥ مِنِّيٓ إِلَّا مَنِ ٱغۡتَرَفَ غُرۡفَةَۢ بِيَدِهِۦۚ فَشَرِبُواْ مِنۡهُ إِلَّا قَلِيلٗا مِّنۡهُمۡۚ فَلَمَّا جَاوَزَهُۥ هُوَ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَعَهُۥ قَالُواْ لَا طَاقَةَ لَنَا ٱلۡيَوۡمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِۦۚ قَالَ ٱلَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَٰقُواْ ٱللَّهِ كَم مِّن فِئَةٖ قَلِيلَةٍ غَلَبَتۡ فِئَةٗ كَثِيرَةَۢ بِإِذۡنِ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ مَعَ ٱلصَّـٰبِرِينَ} (249)

{ فصل } انفصل وخرج . { مبتليكم } معاملكم معاملة المختبر .

{ مني } من أتباعي وأصحابي . { يطعمه } يذق طعمه .

{ فشربوا } فكرعوا . { جاوزه } تخطاه وتركه . { طاقة } قدرة .

{ يظنون } تعني هنا يوقنون . { فئة } جماعة وطائفة

{ بإذن } بتيسيره .

{ فلما فصل طالوت بالجنود } كان بين هذه الآية والتي سبقتها كلاما مقدرا إذ قد يكون المعنى آية ملكه أن يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون تحمله الملائكة إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين ، فآتاهم التابوت فأذعنوا لطالوت وأجابوا على المسير تحت رايته ، -فأتاهم التابوت فيه سكينة من ربهم وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون تحمله الملائكة- فصدقوا عند ذلك نبيهم وأقروا بأن الله قد بعث طالوت ملكا عليهم وأذعنوا له بذاك ؛ يدل على ذلك قوله { فلما فصل طالوت بالجنود } وما كان ليفصل بهم إلا بعد رضاهم به وتسليمهم الملك له لأنه لم يكن ممن يقدر على إكراههم على ذلك فيظن به أنه حملهم على ذلك كرها-{[763]} . انفصل طالوت وخرج تاركا محلتهم متجها نحو عدوهم وتحت إمرته من أسلموه قيادهم فقال لجنده إن الله تعالى مختبركم بنهر{[764]} ومعاملكم سبحانه معاملة الممتحن{[765]} بنهر سيصادفكم في طريقكم إلى عدوكم . { قال إن الله مبتليكم بنهر فمن شرب منه فليس مني } ليس من أهل طاعتي من شرب من هذا الماء الذي أخبرتكم به ليظهر من هو المطيع له ومن هو الخارج على طاعته { ومن لم يطعمه فإنه مني إلا من اغترف غرفة بيده } ومن لم يذق ماء هذا النهر فإنه مني وممن يصلح لمصاحبتي والقتال معي إذ من أطاع في ذلك الأمر أطاع فيما عداه ومن عصى فيه فهو بالعصيان في سائر الشدائد أحرى ؛ [ ورخص لهم في الغرفة ليرتفع عنهم أذى العطش بعض الارتفاع وليكسروا نزاع النفس في هذه الحال وفيه أن الغرفة تكف سورة العطش عند الصابرين على شظف العيش ، الدافعين أنفسهم عن الرفاهية فالمراد بقوله { فمن شرب منه } أي كرع ولم يقتصر على الغرفة ]{[766]} . نقل الأزهري عن الليث طعم الشيء إذا ذاقه مأكولا كان أو مشروبا ؛ { فشربوا منه إلا قليلا منهم } عطف على مقدر أي فبلغوا النهر فشربوا من مائه بإفراط إلا عددا يسيرا منهم لم يفرطوا في الشرب منه بل اقتصروا على ما رخص لهم فيه من الغرفة باليد ؛ { فلما جاوزه هو والذين آمنوا معه قالوا لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده } وبعد أن تخطى طالوت النهر ومعه القلة التي صبرت على الابتلاء ورضيت بالقضاء واستحقت واستأهلت صفة الإيمان قال بعضهم لبعض حين شاهدوا كثرة عدد عدوهم لا قدرة لنا على مواجهة هؤلاء الجنود الكثيفة وعلى رأسها الطاغية جالوت [ والقائل بعض المؤمنين لبعض وهو إظهار ضعف لا نكوص . . { قال } على سبيل التشجيع لذلك البعض وهو استئناف بياني { الذين يظنون } أي يتيقنون { أنهم ملاقوا الله } بالبعث والرجوع إلى ما عنده وهم الخلص من أولئك والأعلون إيمانا فلا ينافي وصفهم بذلك إيمان الباقين فإن درجات المؤمنين في ذلك متفاوتة . . . { كم من فئة } أي قطعة من الناس وجماعة . . و{ كم } هنا خبرية ومعناها كثير . . { قليلة } نعت لفئة على لفظها { غلبت } أي قهرت عند المحاربة { فئة كثيرة } بالنسبة إليها { بإذن الله } أي بحكمه وتيسيره . . { والله مع الصابرين } والمراد منه المعية بالنصر والإحسان لأنه في سائر القرآن مألوف استعماله في مثل ذلك . . . ]{[767]} .


[763]:مما أورد الطبري رحمه الله.
[764]:نقل أنه بين فلسطين والأردن ويسمى الشريعة.
[765]:مما أورد النيسابوري: ولما كان الابتلاء من الناس إنما يكون بظهور الشيء وثبت أن الله لا يثيب ولا يعاقب على علمه وإنما بظهور من الناس وذلك لا يحصل إلا بالتكليف لا جرم سمى التكليف ابتلاء.
[766]:ما بين العلامتين [] من تفسير غرائب القرآن.
[767]:ما بين العلامتين[] من روح المعاني.