فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{وَإِذۡ أَخَذۡنَا مِيثَٰقَكُمۡ وَرَفَعۡنَا فَوۡقَكُمُ ٱلطُّورَ خُذُواْ مَآ ءَاتَيۡنَٰكُم بِقُوَّةٖ وَٱسۡمَعُواْۖ قَالُواْ سَمِعۡنَا وَعَصَيۡنَا وَأُشۡرِبُواْ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلۡعِجۡلَ بِكُفۡرِهِمۡۚ قُلۡ بِئۡسَمَا يَأۡمُرُكُم بِهِۦٓ إِيمَٰنُكُمۡ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ} (93)

{ ميثاقكم } عهدكم المؤكد

{ ورفعنا فوقكم الطور } علقنا جزءا من الجبل المسمى بذلك فوق رؤوسكم .

{ بقوة } بحزم وجد { وأشربوا في قلوبهم العجل } اشتد شغفهم بحب عبادة العجل .

ومثل هذا يجب أن يكون من حكمة التكرار في قوله تقدست أسماؤه { وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا ما أتيناكم بقوة واسمعوا } وفي هذه الآية بيان مرائهم ونهاية لجاجهم فإنهم أمروا بالسمع ليستيقنوا بالحق ويذعنوا له وينقادوا للشرع ويستقيموا على نهجه لكنهم قالوا سمعنا وعصينا والأكثرون على أنهم قالوا هذا القول -قالوا سمعنا لا سماع طاعة سمعنا قولك وعصينا أمرك{[353]} ، { وأشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم } ( أي تداخلهم حبه والحرص على عبادته كما يتداخل الثوب الصبغ وقوله تعالى { وفي قلوبهم } بيان لمكان الإشراب{[354]} كقوله { إنما يأكلون في بطونهم نارا . . }{[355]} وفي قوله { وأشربوا } دلالة على أن فاعلا غيرهم فعل ذلك بهم كالسامري . . . وإبليس وشياطين الإنس والجن وذلك بسبب كفرهم واعتقادهم التشبيه على الله تعالى ولا ريب أن جميع الأسباب تنتهي إلى الله تعالى{[356]} ) .

{ قل بئسا يأمركم به إيمانكم إن كنتم مؤمنين } أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يبين لليهود سوء صنيعتهم و{ بئس } لإنشاء الذم وفاعله قد يكون مظهرا وقد يكون مضمرا يعود إلى معهود ذهني والتقدير هنا بئس وساء شيئا يأمركم به إيمانكم بالتوراة عبادة العجل ، أو : بئس الشيء يأمركم به إيمانكم إن كان يأمركم بقتل أنبياء الله ورسله والتكذيب بكتبه ، وجحود ما جاء من عنده ، وإنما كذبهم الله بذلك لأن التوراة تنهى عن ذلك كله وتأمر بخلافه . . . وإنما ذلك نفي من الله تعالى ذكره عن التوراة أن تكون تأمر بشيء مما يكرهه الله من أفعالهم وأن يكون التصديق بها يدل على شيء من مخالفة أمر الله وإعلام منه جل ثناؤه أن الذي يأمرهم بذلك أهواؤهم والذي يحملهم عليه البغي والعدوان{[357]} ( وإضافة الأمر إلى إيمانهم تهكم كما قال قوم شعيب : { . . . أصلاتك تأمرك . . . }{[358]} وكذلك إضافة الإيمان إليهم ؛ واعلم أن الإيمان عرض ولا يصح منه الأمر والنهي لكن الداعي إلى الفعل والسبب فيه قد يشبه بالأمر كقوله { . . . إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر }{[359]} ) . {[360]}


[353]:نقل عن ابن مسلم على أن ذلك لم يكن بلسان المقال وإنما بلسان الحال كما في قول الله ذي الجلال {قالتا آتينا طائعين} فهم سمعوا ولكن تلقوه بالعصيان
[354]:أخرج الإمام مسلم في صحيحه حديثا شريفا وفيه (تعرض الفتن على القلوب كالحصير عودا عودا فأي قلب أشربها نكت فيها نكتة سوداء).
[355]:سورة النساء من الآية 10.
[356]:ما بين العلامتين () من تفسير غرائب القرآن
[357]:ما بين العارضتين من جامع البيان
[358]:سورة هود من الآية 87.
[359]:سورة العنكبوت من الآية 45.
[360]:ما بين العلامتين () من تفسير غرائب القرآن.