اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{تِلۡكَ إِذٗا قِسۡمَةٞ ضِيزَىٰٓ} (22)

قوله : { تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضيزى } ، «تلك » إشارة إلى محذوف تقديره تلكَ القِسْمَةُ قسمةٌ غير عادلةٍ . ويحتمل أن يقال : تلك النسبة ؛ أي التي نسبوها إلى الله بأَنَّ له البناتِ . وقوله ( إذَنْ ) جواب نسبتهم البنات إلى الله{[53557]} .

وقوله : «ضيزَى » قرأ ابن كثير ضِئْزَى بهمزة ساكنة والباقون بياء ساكنة{[53558]} . وزيد بن عليّ ضَيْزَى بفتح الضاد والياء الساكنة . فأما قراءة العامة فيحتمل أن تكون من ضَازَهُ يَضِيزُهُ إذا ضَامَهُ وجار عليه فمعنى ضِيزَى أي جائرة{[53559]} . وقال مجاهد ومقاتل : قِسْمَةٌ عَوْجَاءُ .

وقال الحسن : غير معتدلة ، قال الشاعر :

ضَازَتْ بَنُو أَسَدٍ بِحُكْمِهِمُ *** إذْ يَجْعَلُونَ الرَّأسَ كَالذَّنَبِ{[53560]}

وعلى هذا فيحتمل وجهين :

أحدهما : أن تكون صفة على «فُعْلَى » - بضم الفاء - وإنما كسرت الفاء لتصحَّ الياء «كَبِيضٍ » . فإن قيل : وأي ضرورة إلى أن يقدر أصلها ضمّ الفاء ؟ ولم لا قيل : إنَّها فِعْلَى بالكسر ؟ .

فالجواب : أن سيبويه حكى أنه لم يرد في الصفات فِعْلَى - بكسر الفاء - إنما ورد بضَمِّها ، نحو : حُبْلَى وأُنْثَى ورُبَّى وما أشبهه إلا أنه قد حكى غيره في الصِّفات ذلك{[53561]} ؛ حكى ثعلب : مِشْيَةٌ حِيكَى{[53562]} . وَرُجلٌ كِيصَى{[53563]} ، وحكى غيره : امرأةٌ عِزْهَى{[53564]} ، وامرأة سِعْلَى{[53565]} . وهذا لا ينقض ، لأن سيبويه يقول في حِيكَى وكِيصَى كقوله في ضِيزَى : لتصحَّ الياء .

وأما عِزْهَى وسِعْلَى فالمشهور فهيما عِزْهَاةٌ وسِعْلاَةٌ . وقال البغوي : ليس في كلام العرب فِعْلَى بكسر الفاء في النعوت إنما يكون في الأسماء مثل ذِكْرَى ، وشِعْرَى{[53566]} .

والوجه الثاني : أن تكون مصدراً كَذِكْرَى .

قال الكسائي : يقال ضَازَ يَضِيزُ كَذكَرَ يَذْكُرُ ، ويحتمل أن يكون من ضَأَزَهُ بالهمز - كقراءة ابن كثير ، إلا أنه خفف همزها وإن لم يكن من أصول القراء كلهم إبدالُ مثل هذه الهمزة ياء لكنها لغة التزمت فقرأوا بها{[53567]} .

ومعنى ضَأَزَهُ يَضْأَزُهُ نَقَصَهُ ظلماً وجوراً .

وممن جوز أن تكون الياء بدلاً من همزة أبو عُبَيْدٍ وأن يكون أصلها ضُوزَى بالواو ، لأنه سمع ضَازَه يَضُوزهُ ضُوزَى وَضَازهُ يَضِيزُهُ ضِيزَى وَضَأَزَهُ يَضْأَزُهُ ضَأزاً ، حكى ذلك كله الكسائي{[53568]} . وحكى أبو عبيد : ضِزْتُهُ{[53569]} وضُزْتُهُ{[53570]} بكسر الفاء وضمها فكسرت الضاد من ضُوزَى ، لأن الضمة ثقيلةٌ مع الواو . وفعلوا ذلك ليَتَوصَّلوا به إلى قلبِ الواو ياءً{[53571]} وأنشد الأخضر على لغة الهمزة :

فَإنْ تَنْأَ عَنْهَا تَنْتَقِصْكَ وإنْ تَغِبْ *** فَسَهْمُكَ مَضْئُوزٌ وَأَنْفُكَ رَاغِمُ{[53572]}

وضيزَى في قراءة ابن كثير مصدر وُصِفَ به ، ولا يكون وصفاً أصلياً لما تقدم عن سيبويه . فإن قيلَ : لِمَ لا قيلَ في ضيزى بالكسر والهمز إنّ أصله ضُيْزى بالضم فكسرت الفاء كما قيل فيها مع ألفها ؟

فالجواب : أنه لا موجب هنا للتغيير ، إذ الضم مع الهمز لا يستثقل استثقاله مع الياء الساكنةِ .

وسمع منهم : ضُؤْزَى بضمِّ الضاد مع الواو والْهَمْزِ{[53573]} .

وأمَّا قراءة زيد{[53574]} فيحتمل أن تكون مصدراً وُصِفَ بِهِ كَدعوى وأن تكون صفة كسَكْرَى وعَطْشَى وغَضْبَى{[53575]} .


[53557]:المرجع السابق أيضا.
[53558]:قال مكي في الكشف: وهما لغتان وهي قراءة متواترة. وانظر الكشف 2/295 والسبعة 615 والإتحاف 403.
[53559]:البغوي 6/263.
[53560]:نسب لامرئ القيس وهو من الكامل ولم أجده في الديوان. وشاهده أن ضازَ بمعنى ظلم واعوجّ. وانظر القرطبي 17/102، والبحر 8/54 وفتح القدير 5/109، والدر المنثور 7/154، وروح المعاني 27/57.
[53561]:قال في الكتاب 4/364: "وهذا باب ما تقلب فيه الياء واوا، وذلك فُعلَى إذا كانت اسما، وذلك الطّوبى والكُوسَى لأنها لا تكون وصفا بغير ألف ولام فأجريت مُجرى الأسماء التي لا تكون وصفا". انظر الكتاب السابق والمزهر 2/53.
[53562]:مدح في النساء ذم في الرجال، لأن المرأة تمشي هذه المشية من عظم فخذيها والرجل يمشي هذه المشية إذا كان أفحج. وانظر اللسان "حَيَك" 1072.
[53563]:رجل كيصى وكيصٌ (عن ابن الأعرابي) متفرد في طعامه لا يؤاكل أحدا. وانظر اللسان السابق كيص 3967.
[53564]:رجل عِزهَاة وعِنزَهْوَةٌ وعِزْهاءَةٌ وعزهًى لئيم اللسان عزه 2933.
[53565]:استسعلت المرأة صارت كالسّعلاة خُبثاً وسلاطة؛ يقال ذلك للمرأة الصخابة البذيّة. وانظر اللسان سعل 2018.
[53566]:معالم التنزيل 6/263.
[53567]:البحر المحيط 8/162 والقرطبي 17/103 ومعاني الفراء 3/98 و99.
[53568]:نقله عنه صاحب "الجامع" الإمام القرطبي في تفسيره17/102، كما نقل هذا صاحب اللسان والصّحاح (ضَوَزَ وضَأَزَ وضَيَزَ).
[53569]:نقلها ابن منظور في اللسان ضيز، قال: "وضِزْتُ فلانا أضِيزُه ضَيْزاً جُرْتُ عليه".
[53570]:قال أيضا في اللسان ضوز: ويقال ضزته حقه أي نقصته وضازني يضوزُني (عن كُراعٍ). إلا أن صاحب اللسان ضبطها بالكسر. ولعل ذلك من المحقق.
[53571]:اللسان ضَيَزَ 2624، والقرطبي 17/103، ومعاني الفراء 3/98.
[53572]:من الطويل وهو مجهول القائل وفي اللسان والصّحاح: وإن تغِب وفي القرطبي: وإن تقُم. وروي البيت فحظّك وقسمك بدل "فسهمك". والشاهد مضئوز فهو مفعول من ضأز مهموزا. وانظر القرطبي 17/1002 وفتح القدير 5/109 واللسان والصحاح ضأز، وروح المعاني 27/87، والبحر المحيط 8/162.
[53573]:نقلها صاحب اللسان عن ابن الأعرابي ضأز 2540.
[53574]:وهي شاذة ذكرها صاحب البحر المحيط 8/162.
[53575]:قال بهذين التخريجين صاحب البحر في المرجع السابق.