اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{فَأَوۡحَىٰٓ إِلَىٰ عَبۡدِهِۦ مَآ أَوۡحَىٰ} (10)

قوله : «فَأوْحَى » أي أوحى الله وإن لم يَجْرِ له ذكر لعدم اللبس «إلى عبده » محمد . وقوله «مَا أَوْحَى » أبهمَ تعظيماً له ورفعاً من شأنه . وبهذه الآية استدل ابن مالك على أنه لا يشترط في الصلة أن تكون معهودة{[53422]} عند المخاطب .

ومثله : { فَغَشِيَهُمْ مِّنَ اليم مَا غَشِيَهُمْ } [ طه : 78 ] إلا أن هذا الشرط هو المشهور عند النحويين{[53423]} . والوحي هو إِلقاء الشيء بسرعة ومنه : الوحاء الوحاء{[53424]} .

فصل

في فاعل ( أوحى ) الأول وجهان :

أحدهما : أن الله تعالى أوحى . وعلى هذا ففي «عبده » وجهان :

أحدهما : أنه جبريل أي أوحى الله إلى جبريلَ ، وعلى هذا ( أيضاً ) {[53425]} ففي فاعل أوحى «الأخير » وجهان :

أحدهما : أنه الله تعالى أيضاً . والمعنى حينئذ فأوحى الله تعالى إلى جبريل الذي أوحاه ( الله ) {[53426]} أبهمه تفخيماً وتعظيماً للموحِي .

ثانيهما : فاعل ( أوحى ) الثاني جبريل أي أوحى إلى جبريل ما أوحى جبريلُ . وعلى هذا فالمراد من الذي أوحى جبريل - عليه ( الصلاة ) {[53427]} والسلام - يحتمل وجهين :

أحدهما : أن يكون مبنياً وهو الذي أوحى جبريل إلى محمد ( صلى الله عليه وسلم ) {[53428]} .

وثانيهما : أن يكون عاماً أي أوحى الله إلى جبريل ما أوحى إلى كل رسول .

الوجه الثاني في ( عبده ) على قولنا : الموحِي هو الله : أنه محمد عليه الصلاة والسلام أي أوحى الله إلى محمد ما أوحى إليه ( للتفخيم{[53429]} والتعظيم .

الوجه الثاني في فاعل أوحى الأول : هو أنه جبريل أوحى إلى عبده أي عبد الله يعني محمداً ما أوحى إليه ) ربه عز وجل ؛ قاله ابن عباس في رواية عطاء والكلبي والحسن والربيع وابن زيد . وعلى هذا ففي فاعل «أوحى » الثاني وجهان :

أحدهما : أنه جبريل أي أوحى جبريل إلى عبد الله ما أوحى جبريل للتفخيم .

وثانيهما : أن يكون هو الله تعالى أي أوحى جبريل إِلى محمد ما أوحى الله إليه{[53430]} .

فصل

وفي الذي أوحى وجوه :

الأول : قال سعيد بن جبير أوحى الله إليه : { أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فآوى } [ الضحى : 6 ] إلى قوله : { وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ } [ الشرح : 4 ] .

الثاني : أوحى إليه الصلاة .

الثالث : أن أحداً من الأنبياء لا يدخل الجنة قبلك وأنَّ أمة من الأمم لا تدخلها قبل أمتك .

الرابع : أنه مبهم لا يطلع عليه أحد وتعبدنا به على الجملة .

الخامس : أن ما للعموم والمراد كل ما جاء به جبريل{[53431]} .


[53422]:إلا أن هذا غير لازم؛ لأن الموصول قد يراد به معهود فتكون صلته معهودة كقوله تعالى: {وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه}.
[53423]:وانظر همع الهوامع للعلامة السيوطي 1/85.
[53424]:يمد، ويقصر، ومعناه البدار البدار.
[53425]:زيادة للسياق.
[53426]:سقط من (ب).
[53427]:زيادة من (أ).
[53428]:زيادة من (أ).
[53429]:ما بين القوسين كله ساقط من (أ) الأصل.
[53430]:وانظر هذه الأوجه في تفسير الرازي 28/288 والبغوي 6/275 والقرطبي في الجامع 17/91 وأبي حيان في البحر 8/158.
[53431]:ذكر هذه الأوجه مجتمعة، ونقلها المؤلف عنه معنى، الفخر الرازي في تفسيره السابق 28/287، 288.