اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَتَضۡحَكُونَ وَلَا تَبۡكُونَ} (60)

قوله : { أَفَمِنْ هذا الحديث } متعلق ب «تَعْجَبُونَ » ولا يجيء فيه الإعمال ، لأن من شرط الإعمال تأخير المعمول عن العوامل ، وهنا هو متقدم ، وفيه خلاف بعيد . وعليه تتخرج الآية الكريمة فإن كُلاًّ من قوله : «تَعْجَبُونَ » و«تَضْحَكُونَ » و«لاَ تَبْكُونَ » يطلب هذا الجار من حيث المعنى .

والعامة على فتح التاء والجيم من «تَعْجَبُون » و«تَضْحَكُون » . والحسن بضم التاء وكسر الجيم والحاء من غير واو عاطفة بين الفعلين{[53813]} . وهي أبلغ من حيث إنهم إذا أضحكوا غيرهم كان تجرؤهم أكثر .

وقرأ أُبَيٌّ وعبدُ الله كالجماعة ، إلا أنهما بلا واوٍ{[53814]} عاطفة كالحَسَن ، فيحتمل أن يكون يضحكون حالاً ، وأن يكون استثناءً كالتي قبلها .

فصل

قال المفسرون : المراد بالحديث القرآن . قال ابن الخطيب : ويحتمل أن يكون إشارة إلى حديث أزفت الآزفة ، فإنهم كانوا يتعجبون من حَشْر الأجساد ، والعظام البالية . وقوله : ( وَتَضْحَكُونَ ) أي استهزاء من هذا الحديث كقوله تعالى في حق موسى - عليه الصلاة والسلام - : { فَلَمَّا جَاءَهُم بِآيَاتِنَا إِذَا هُم مِّنْهَا يَضْحَكُونَ } [ الزخرف : 47 ] .

ويحتمل أن يكون إنكاراً على مطلق الضحك مع سماع حديث القيامة أي أتضحكون وقد سمعتم أن القيامة قربت فكان حقاً أن لا تضحكوا حينئذ{[53815]} .

وقوله : «وَلاَ تَبْكُونَ » مما تسمعون من الوعيد ، روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ما رؤي بعد هذه الآية ضاحكاً إلا تبسماً . وقال أبو هريرة : «لما نزل قوله { أَفَمِنْ هذا الحديث تَعْجَبُونَ } الآية قال أهل الصفة : «إنا لِلَّهِ وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ » ثم بكَوْا حتى جرت دموعهم على خدودهم ، فلما سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بكاءهم بكى معهم فبكينا لبكائه ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : لاَ يَلِجُ النَّار مَنْ بَكَى مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ، وَلاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مُصرٌّ علَى مَعْصِيَةِ اللَّهِ ، وَلَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللَّهُ بكم ، وَأَتى بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ فيَغْفِرُ لَهُمْ وَيَرْحَمُهُمْ إنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ »{[53816]} .


[53813]:وهي شاذة، وانظر البحر المحيط لأبي حيان 8/171 فتكون تُعجِبون تضحكون والمفعول محذوف.
[53814]:المرجع السابق.
[53815]:تفسير الإمام الرازي 15/28.
[53816]:ذكره الإمام القرطبي في الجامع 17/122 و123.