اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَظِلّٖ مَّمۡدُودٖ} (30)

قوله : { وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ } .

أي : دائم باقٍ لا يزول ، ولا تنسخه الشمس{[54853]} ، كقوله تعالى : { أَلَمْ تَرَ إلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظل } [ الفرقان : 45 ] .

وذلك بالغداةِ ، وهي ما بين الإسفار إلى طلوع الشمس ، والجنة كلها ظل لا شمس معه .

قال ابن الخطيب{[54854]} : إنَّ الشمس إذا كانت تحت الأرض يقع ظلها في الجو ، فيتراكم الظل فيسودّ وجه الأرض ، وإذا كانت الشمس في أحد جانبي الأرض من الأفق ، فينبسط الظل على وجه الأرض ، فيضيء الجو ولا يسود وجه الأرض ، فيكون في غاية الطيبة ، فقوله : { وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ } أي : كالظل بالليل ، وعلى هذا فالظل ليس ظل الأشجار ، بل ظل يخلقه الله تعالى .

وقال الربيع بن أنس : يعني ظل العرش{[54855]} .

وقال عمرو بن ميمون : مسيرة سبعين ألف سنة{[54856]} .

وقال أبو عبيدة : تقول العرب للدهر الطويل [ والعمر الطويل ] {[54857]} والشيء الذي لا ينقطع : ممدود .

قال الشاعر : [ الكامل ]

غَلَبَ العَزَاءُ وكُنْتُ غَيْرَ مُغَلَّبٍ *** دَهْرٌ طويلٌ دائمٌ مَمْدُودُ{[54858]}

وفي «صحيح الترمذي » وغيره عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : «في الجَنَّة شَجَرةٌ يسيرُ الرَّاكِبُ في ظلِّها مائة عامٍ ، لا يَقْطَعُهَا ، اقرءوا إن شِئْتُم : { وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ }{[54859]} .

وهذا الحديث يرد قول ابن الخطيب من أنه ليس ظل الأشجار .


[54853]:ينظر: القرطبي (17/135).
[54854]:ينظر تفسير الفخر الرازي 29/143.
[54855]:ذكره القرطبي في "تفسيره" (17/135) عن مسروق.
[54856]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (11/637) وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (6/223) وزاد نسبته وإلى عبد بن حميد وابن المنذر. ووقع في "تفسير "الطبري" خمسمائة ألف سنة.
[54857]:سقط من ب.
[54858]:البيت "للبيد بن ربيعة" ويروى "غلب البقاء" مكان "غلب العزاء" ينظر ديوانه ص 47، ومجاز القرآن 2/250، والطبري 27/104، والقرطبي 17/135، وفتح القدير 5/152.
[54859]:أخرجه البخاري (6/367) كتاب بدء الخلق، باب: ما جاء في صفة الجنة حديث (3251) ومسلم (4/2175) كتاب الجنة وصفة نعيمها، باب: إن في الجنة شجرة (8/2827) والترمذي (4/579) كتاب صفة الجنة، باب ما جاء في صفة شجر الجنة (2523) وابن ماجه (4335) وأحمد (2/418، 438، 462، 469) والطبري في "تفسيره" (11/638). وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (6/223) وزاد نسبته إلى ابن أبي شيبة وعبد الرزاق وهناد بن السري وعبد بن حميد وابن المنذر وابن مردويه.