اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{بِأَكۡوَابٖ وَأَبَارِيقَ وَكَأۡسٖ مِّن مَّعِينٖ} (18)

قوله : «بِأكْوَابٍ » متعلق ب «يَطُوفُ » .

و«الأكواب » : جمع كوب ، وهي الآنيةُ التي لا عُرَى لها ولا خراطيم ، وقد مضت في «الزخرف » و«الأباريق » : جمع إبريق ، وهي التي لها عُرَى وخراطيم ، واحدها : إبريق ، وهو من آنِيَة الخَمْر ، سُمِّيَ بذلك لبريق لونه من صفائه .

قال الشاعر : [ البسيط ]

أفْنَى تِلادِي ومَا جَمَّعْتُ مِنْ نَشَبٍ *** قَرْعُ القَوارِيرِ أفْواهُ الأبَارِيقِ{[54777]}

وقال عديُّ بن زيد : [ الخفيف ]

وتَدَاعَوْا إلى الصَّبُوح فَقَامَتْ *** قَيْنَةٌ فِي يَمينهَا إبْرِيقُ{[54778]}

وقال آخر : [ البسيط ]

كَأنَّ إبْرِيقَهُمْ ظَبْيٌ على شَرَفٍ *** مُقَدَّمٌ بِسَبَا الكتَّانِ مَلْثُومُ{[54779]}

ووزنه «إفْعِيل » لاشتقاقه من البريق .

قوله : { وَكَأْسٍ مِّن مَّعِينٍ } تقدم في «الصافات » .

و«المعين » : الجاري من ماء أو خمر ، غير أن المراد هنا الخمر الجارية من العيون .

وقيل : الظاهرة ، فيكون «مَعِين » مفعول من المعاينة .

وقيل : هو «فَعِيل » من المَعْنِ ، وهو الكثرة .

قال ابن الخطيب{[54780]} : هو مأخوذ من مَعن الماء إذا جرى .

وقيل : بمعنى «مَفْعُول » ، فيكون من «عانه » إذا شخصه بعينه وميزه .

قال : والأول أظهر ؛ لأن المعيون يوهم بأنه معيوب .

يقال : ضربني بعينه أي : أصابني بعينه ؛ ولأن الوصف [ بالمفعول ]{[54781]} لا فائدة فيه .

وأما الجريان في المشروب فإن كان في الماء فهو صفة مدح ، وإن كان في غيره ، فهو أمر عجيب لا يوجد في الدنيا ، فيكون كقوله تعالى : { وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ } [ محمد : 15 ] وبين أنها ليست كخمر الدُّنيا يستخرج بتكلف ومعالجة .

فإن قيل : كيف جمع الأكواب والأباريق ، وأفرد الكأس ؟ .

فالجواب : أن ذلك على عادة أهل الشرب فإنهم يعدون الخمر في أوان كبيرة ، ويشربون بكأس واحدةٍ ، وفيها مباهاتهم لأهل الدنيا من حيث إنهم يطوفون بالأكواب والأباريق ، ولا ينتقل عليهم ، بخلاف الدنيا ، أو يقال : إنما أفردت الكأس لأنها إنما تُسَمَّى كأساً إذا كانت مملوءة ، فالمراد اتخاذ المشروب الذي فيها ، وأخر الكأس مناسبة لاتصاله بالشُّرب .


[54777]:تقدم.
[54778]:ينظر اللسان (برق) والبحر المحيط 8/202 والدر المصون 6/256.
[54779]:ينظر المخصص لابن سيده 15/167، وسمط اللآلي 1/13 واللسان (برق)، والبحر 8/202 والدر المصون 6/256.
[54780]:ينظر: تفسير الفخر الرازي 29/132.
[54781]:في ب: بالذي.