قوله : { وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الحنث العظيم } .
الحِنْثُ في أصل كلامهم : العدل الثقيل ، وسمي به الذنب والإثم لثقلهما ، قاله الخطابي{[54914]} .
وفلان حَنِثَ في يمينه ، أي لم يَفِ به ؛ لأنه يأثم غالباً ، ويعبر بالحِنْثِ عن البُلُوغ ، ومنه قوله : «لَمْ يَبْلغوا الحِنْثَ »{[54915]} .
وإنما قيل ذلك ؛ لأن الإنسان عند بلوغه إيَّاه يؤاخذ بالحنث ، أي : بالذنب ، وتَحَنَّثَ فلان ، أي جانب الحِنْث .
وفي الحديث : «كَانَ يَتَحَنَّثُ بِغَارِ حِرَاءَ »{[54916]} ، أي : يتعبّد لمُجانبته الإثم ، نحو : «تَحَرَّجَ » فتفعَّل في هذه كلِّها للسَّلْب{[54917]} .
فصل في تفسير الآية{[54918]}
قال الحسن ، والضحاك ، وابن زيد : { يُصِرُّونَ عَلَى الحنث العظيم } أي : يقيمون على الشرك{[54919]} .
وقال قتادة ومجاهد : الذَّنْب العظيم الذي لا يتوبون منه{[54920]} .
وقال الشَّعبي : هو اليمين الغَمُوس ، وهي من الكبائر ، يقال : حنث في يمينه ، أي : لم يبرّها ورجع فيها ، وكانوا يقسمون أن لا بعث ، وأن الأصنام أنْداد الله فذلك حنثهم .
فصل في الحكمة من ذكر عذاب هذه الطائفة
قال ابن الخطيب{[54921]} : والحكمة في ذكره سبب عذابهم ، ولم يذكر في أصحاب اليمين سبب ثوابهم ، فلم يقل : إنهم كانوا قبل ذلك شاكرين مذعنين ، وذلك تنبيه على أن ذلك الثواب منه فضل ، والعقاب منه عدل ، والفضل سواء ذكر سببه ، أو لم يذكره لا يتوهّم بالمتفضل نقص وظلم .
وأمَّا العدل إن لم يعلم سبب العقاب ، يظن أن هناك ظلماً ، ويدلّ على أنه تعالى لم يقل في أصحاب اليمين : { جَزَاءً بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } كما قاله في السَّابقين ؛ لأن أصحاب اليمين نجوا بالفضل العظيم لا بالعمل ، بخلاف من كثرت حسناته يحسن إطلاق الجزاء في حقه .
واعلم أن المترف هو المنعم ، وذلك لا يوجب ذمًّا ، وإنما حصل لهم الذم بقوله : { وَكَانُواْ يُصِرُّونَ عَلَى الحنث العظيم } ، فإن صدور المعاصي ممن كثرت النِّعم عليه [ من ] أقبح القبائح ، فقال : { إِنَّهُمْ كَانُواْ قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ } ، ولم يشكروا نعم الله ، بل أصروا على الذنب العظيم .
وفي الآية مبالغة{[54922]} ؛ لأن قوله : { وَكَانُواْ يُصِرُّونَ } يقتضي أن ذلك عادتهم ، والإصرار على مُدَاومةِ المعصية والحنث أبلغ من الذنب ؛ لأن الذنب يطلق على الصغيرة ، ويدل على ذلك قولهم : «بَلَغَ الحِنْثَ » أي : بلغ مبلغاً تلحقه فيه الكبيرة .
وأما الصغيرة فتلحقُ الصغير ، فإن وليَّهُ يعاقبه على إسَاءَة الأدب ، وترك الصلاة ، ولأن وصفه بالعظيم مبالغة . قاله ابن الخطيب{[54923]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.