اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{لَّا بَارِدٖ وَلَا كَرِيمٍ} (44)

قوله : { لاَّ بَارِدٍ وَلاَ كَرِيمٍ } صفتان للظلّ ، كقوله : «مِنْ يَحْمُومٍ » .

وفيه أنه قدم غير الصريحة على الصريحة ، فالأولى أن تجعل صفة ل «يحموم » ، وإن كان السياق يرشد إلى الأول .

وقرأ ابن أبي{[54907]} عبلة : { لا بَارِدٌ ولا كريمٌ } برفعهما : أي : «هُوَ لا بَارِدٌ » .

كقوله : [ الكامل ]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . *** فَأبِيتُ لا حَرجٌ ولا مَحْرُومُ{[54908]}

قال الضَّحاك : «لا بَارِدٍ » بل حار ؛ لأنه من دخان سعير جهنم ، «ولا كَرِيم » عذب .

وقال سعيد بن المسيّب : ولا حسن منظره ، وكل ما لا خير فيه ، فليس بكريم{[54909]} .

وقيل : { وَظِلٍّ مِّن يَحْمُومٍ } أي : من النَّار يعذبون بها كقوله تعالى : { لَهُمْ مِّن فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِّنَ النار وَمِن تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ } [ الزمر : 16 ] .

قال الزمخشري{[54910]} : «كرم الظل نفع الملهوف ، ودفع أذى الحرّ عنه » .

قال ابن الخطيب{[54911]} : ولو كان كذلك لكان البارد والكريم بمعنى واحد ، والأقوى أن يقال : فائدة الظل أمران :

أحدهما : دفع الحر .

والآخر : كون الإنسان فيه مكرماً ؛ لأن الإنسان في البرد يقصد الشمس ليدفأ بحرّها إذا كان قليل الثِّياب ، وفي الحرّ يطلب الظِّل لبرده ، فإذا كان من المكرمين يكون أبداً في مكان يدفع الحر والبرد عن نفسه ، فيحتمل أن يكون المراد هذا .

ويحتمل أن يقال : الظل يطلب لأمر حسّي ، وهو يرده ، ولأمر عقلي وهو التّكرمة ، وهذا معنى ما نقله الواحدي عن الفرَّاء بنفي كل شيء مستحسن ، فيقولون : «الدار لا واسعة ولا كريمة » .


[54907]:ينظر الكشاف 4/463، والبحر المحيط 8/209، والدر المصون 6/260.
[54908]:تقدم.
[54909]:ذكر البغوي في "تفسيره" (4/286).
[54910]:ينظر بتصرف الكشاف 4/463.
[54911]:ينظر: الفخر الرازي 29/147، 148.