اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَأَنَّا لَا نَدۡرِيٓ أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَن فِي ٱلۡأَرۡضِ أَمۡ أَرَادَ بِهِمۡ رَبُّهُمۡ رَشَدٗا} (10)

قوله : { وَأَنَّا لاَ ندري أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَن فِي الأرض } ، في { أَشَرٌّ أَرِيدَ } وجهان :

أحسنهما : الرفع بفعل مضمر على الاشتغال ، وإنما كان أحسن لتقدم طالب الفعل وهو أداة الاستفهام .

والثاني : أن الرفع على الابتداءِ .

ولقائل أن يقول : يتعين هذا الرفع بإضمار فعل لمدرك آخر ، وهو أنه قد عطف ب «أمْ » فعل ، فإذا أضمرنا فعلاً رافعاً ، كنا قد عطفنا جملة فعلية على مثلها ، بخلاف رفعه بالابتداء فإنه - حينئذٍ - يخرجُ «أمْ » عن كونها عاطفة إلى كونها منقطعة إلا بتأويلٍ بعيدٍ ، وهو أن الأصل : أشَرٌّ أريد بهم ، أم خيرٌ ، فوضع لقوله : «أمْ أراد بِهمْ » موضع خير .

وقوله : «أشَرٌّ » ساد مسدَّ مفعول «ندري » ، بمعنى أنه معلق به ، وراعى معنى «مَنْ » في قوله : «بِهمْ ربُّهُمْ » فجمع .

فصل في معنى الآية

قال ابن زيد : معنى الآية : أنَّ إبليس قال : لا ندري هل أراد بهذا المنعِ أن ينزل على أهل الأرض عذاباً ، أو يرسل إليهم رسولاً{[58140]} .

وقيل : هو من قول الجنِّ فيما بينهم من قبل أن يسمعوا قراءة النبي صلى الله عليه وسلم أي : لا ندري أشرٌّ أريد بمن في الأرض بإرسال محمد صلى الله عليه وسلم إليهم يكذبونه ويهلكون بتكذيبه كما هلك من كذب من الأمم ، أم أراد أن يؤمنوا فيهتدوا ، فالشر والرشد على هذا الكفر والإيمان ، وعلى هذا كان عندهم علم بمبعث النبي صلى الله عليه وسلم ولما سمعوا قراءته علموا أنهم منعوا من السماء حراسة للوحي .

وقيل : لا ، بل هذا قول قالوه لقومهم بعد أن انصرفوا إليهم منذرين ، أي : لما آمنوا أشفقوا أن لا يؤمن كثيرٌ من أهل الأرض فقالوا : إنَّا لا ندري ، أيكفر أهل الأرض بما آمنا به أم يؤمنون ؟ .


[58140]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (12/266).