مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{ءَاتُونِي زُبَرَ ٱلۡحَدِيدِۖ حَتَّىٰٓ إِذَا سَاوَىٰ بَيۡنَ ٱلصَّدَفَيۡنِ قَالَ ٱنفُخُواْۖ حَتَّىٰٓ إِذَا جَعَلَهُۥ نَارٗا قَالَ ءَاتُونِيٓ أُفۡرِغۡ عَلَيۡهِ قِطۡرٗا} (96)

قوله تعالى :{ آتوني زبر الحديد حتى إذا ساوى بين الصدفين قال انفخوا حتى إذا جعله نارا قال آتوني أفرغ عليه قطرا . فما اسطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقبا . قال هذا رحمة من ربي فإذا جاء وعد ربي جعله دكاء وكان وعد ربي حقا }

اعلم أن { زبر الحديد } قطعة قال الخليل الزبرة من الحديد القطعة الضخمة ، قراءة الجميع آتوني بمد الألف إلا حمزة فإنه قرأ ائتوني من الإتيان ، وقد روى ذلك عن عاصم والتقدير ائتوني بزبر الحديد ثم حذف الباء كقوله : شكرته وشكرت له وكفرته وكفرت له ، وقوله : { حتى إذا ساوى بين الصدفين } فيه إضمار أي فأتوه بها فوضع تلك الزبر بعضها على بعض حتى صارت بحيث تسد ما بين الجبلين إلى أعلاهما ثم وضع المنافخ عليها حتى إذا صارت كالنار صب النحاس المذاب على الحديد المحمى فالتصق بعضه ببعض وصار جبلا صلدا ، واعلم أن هذا معجز قاهر لأن هذه الزبر الكثيرة إذا نفخ عليها حتى صارت كالنار لم يقدر الحيوان على القرب منها ، والنفخ عليها لا يمكن إلا مع القرب منها فكأنه تعالى صرف تأثير تلك الحرارة العظيمة عن أبدان أولئك النافخين عليها . قال صاحب الكشاف : قيل بعدما بين : { السدين } مائة فرسخ . { والصدفان } بفتحتين جانبا الجبلين لأنهما يتصادفان أي يتقابلان وقرئ : { الصدفين } بضمتين . { والصدفين } بضمة وسكون والقطر النحاس المذاب لأنه يقطر ، وقوله : { قطرا } منصوب بقوله : { أفرغ } وتقديره آتوني قطرا : { أفرغ عليه قطرا } فحذف الأول لدلالة الثاني عليه