الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{ءَاتُونِي زُبَرَ ٱلۡحَدِيدِۖ حَتَّىٰٓ إِذَا سَاوَىٰ بَيۡنَ ٱلصَّدَفَيۡنِ قَالَ ٱنفُخُواْۖ حَتَّىٰٓ إِذَا جَعَلَهُۥ نَارٗا قَالَ ءَاتُونِيٓ أُفۡرِغۡ عَلَيۡهِ قِطۡرٗا} (96)

قوله : { آتُونِي } : قرأ أبو بكر " ايتوني " بهمزةِ وصل مِنْ أتى يَأتي في الموضعين من هذه السورة بخلافٍ عنه في الثاني . وافقه حمزةُ على الثاني من غيرِ خلافٍ عنه . والباقون بهمزةِ القطعِ فيهما . ف " زُبُرَ " على قراءةِ همزةِ الوصل منصوبةٌ على إسقاط الخافض ، أي : جيئوني بزُبُرِ الحديد . وفي قراءة قَطْعِها على المفعول الثاني لأنه يتعدَّى/ بالهمزة إلى اثنين . وعلى قراءة أبي بكر يُحتاج إلى كسر التنوين من " رَدْماً " لالتقاءِ الساكنين ؛ لأنَّ همزةَ الوصلِ تسقط دَرْجاً فيُقْرأ له بكسر التنوين ، وبعده همزةٌ ساكنة هي فاءُ الكلمة . وإذا ابتدأت بكلمتي " ائتوني " في قراءتِه وقراءةِ حمزة تبدأ بهمزةٍ مكسورةٍ للوصل ثم ياءٍ صريحة ، هي بدلٌ من همزةِ فاء الكلمة ، وفي الدَّرْجِ تسقط همزةُ الوصل ، فتعود الهمزةُ لزوالِ موجِبِ إبدالها .

والباقون يَبْتَدِئون ويَصِلُون بهمزةٍ مفتوحة لأنها همزة قطع ، ويتركون تنوين " رَدْماً " على حاله من السكون ، وهذا كلُّه ظاهرٌ لأهلِ النحو ، خَفِيٌّ على القُرَّاء .

والزُّبَرُ جمع زُبْرَة كغُرْفَة وغُرَف . وقرأ الحسن بضم الباء .

قوله : " ساوَى " هذه قراءةُ الجمهور ، وقتادة " سوَّى " بالتضعيف . وعاصمٌ في رواية " سُوِّيَ " مبنياً للمفعول .

قوله : " الصَّدَفَيْن " قرأ أبو بكر بضم الصاد وسكون الدال . وابن كثير وأبو عمرو وابن عامر بضمِّهما ، والباقون بفتحهما . وهذه لغاتٌ قُرِئ بها في السبع . وأبو جعفر وشيبة وحميد بالفتح والإِسكان ، والماجِشون بالفتح والضم ، وعاصم في روايةٍ بالعكس .

والصَّدَفان : ناحيتا الجبلين . وقيل : أَنْ يتقابلَ جبلان وبينهما طريق ، فالناحيتان صَدَفان لتقابُلِهما وتصادُفِهما ، مِنْ صادَفْتُ الرجلَ ، أي : لاقَيْتُه وقابَلْته . وقال أبو عبيد : " الصَّدَفُ : كل بناءٍ مرتفع وليس بمعروفٍ ، والفتح لغة تميم ، والضمُّ لغة حِمْير " .

قوله : " قِطْراً " هو المتنازَعُ فيه . وهذه الآيةُ أشهر أمثلةِ النحاةِ في باب التنازع ، وهي من إعمالِ الثاني للحذف من الأول . والقِطْر : النُّحاس أو الرَّصاصُ المُذاب .