البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{ءَاتُونِي زُبَرَ ٱلۡحَدِيدِۖ حَتَّىٰٓ إِذَا سَاوَىٰ بَيۡنَ ٱلصَّدَفَيۡنِ قَالَ ٱنفُخُواْۖ حَتَّىٰٓ إِذَا جَعَلَهُۥ نَارٗا قَالَ ءَاتُونِيٓ أُفۡرِغۡ عَلَيۡهِ قِطۡرٗا} (96)

الزبرة : القطعة وأصله الاجتماع ، ومنه زبرة الأسد لما اجتمع على كاهله من الشعر ، وزبرت الكتاب جمعت حروفه .

الصدفان جانبا الجبل إذا تحاذيا لتقاربهما أو لتلاقيهما قاله الأزهري ، ويقال : صدف بضمهما وبفتحهما وبضم الصاد وسكون الدال وعكسه .

قال بعض اللغويين : وفتحهما لغة تميم وضمهما لغة حمير .

وقال أبو عبيدة : الصدف كل بناء عظيم مرتفع .

القطر النحاس المذاب في قول الأكثرين .

وقيل : الحديد المذاب .

وقيل : الرصاص المذاب .

ثم فسر الإعانة بالقوة فقال { آتوني زبر الحديد } أي أعطوني .

قال ابن عطية : إنما هو استدعاء مناولة لا استدعاء عطية وهبة لأنه قد ارتبط من قوله إنه لا يأخذ منهم الخراج ، فلم يبق إلاّ استدعاء المناولة انتهى .

وقرأ الجمهور { آتوني } .

وقرأ أبو بكر عن عاصم ائتوني أي جيئوني .

وانتصب { زبر } بإيتوني على إسقاط حرف الجر أي جيئوني بزبر { الحديد } .

وقرأ الجمهور { زبر } بفتح الباء والحسن بضمها ، وفي الكلام حذف تقديره فأتوه أو فآتوه بها فأمر برصّ بعضها فوق بعض { حتى إذا ساوى } .

وقرأ الجمهور { ساوى } وقتادة سوّى ، وابن أبي أمية عن أبي بكر عن عاصم سُووي مبنياً للمفعول .

وحكي في الكيفية أن ذا القرنين قاس ما بين الصدفين من حفر الأساس حتى بلغ الماء ثم جعل حشوه الصخر وطينه النحاس مذاب ، ثم يصب عليه والبنيان من زبر الحديد بينهما الحطب والفحم حتى سد ما بين الجبلين إلى أعلاهما ، ثم وضع المنافخ حتى إذا صارت كالنار صب النحاس المذاب على الحديد المحمى فاختلط والتصق بعضه ببعض وصار جبلاً صلداً .

وقيل : طول ما بين السدين مائة فرسخ وعرضه خمسون .

وفي الحديث " أن رجلاً أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم به فقال : «كيف رأيته » ؟ فقال : كالبرد المحبر طريقة سوداء وطريقة حمراء ، قال : «قد رأيته » " .

وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر والزهري ومجاهد والحسن { الصدفين } بضم الصاد والدال ، وأبو بكر وابن محيصن وأبو رجاء وأبو عبد الرحمن كذلك إلاّ أنه سكن الدال وباقي السبعة وأبو جعفر وشيبة وحميد وطلحة وابن أبي ليلى وجماعة عن يعقوب وخلف في اختياره وأبو عبيد وابن سعدان بفتحهما ، وابن جندب بالفتح وإسكان الدال ، ورويت عن قتادة .

وقرأ الماجشون بالفتح وضم الدال .

وقرأ قتادة وأبان عن عاصم بضم الصاد وفتح الدال { حتى إذا جعله ناراً } في الكلام حذف تقديره فنفخوا حتى .

وقرأ الجمهور قال { آتوني } أي أعطوني .

وقرأ الأعمش وطلحة وحمزة وأبو بكر بخلاف عنه قال : ائتوني أي جيئوني و { قطراً } منصوب بأفرغ على إعمال الثاني ، ومفعول { آتوني } محذوف لدلالة الثاني عليه .