سماها السلف ( سورة الأنبياء ) . ففي صحيح البخاري عن عبد الله بن مسعود قال : بنو إسرائيل ، والكهف ، ومريم ، طه ، والأنبياء ، هن من العتاق الأول وهن من تلادي . ولا يعرف لها اسم غير هذا .
ووجه تسميتها سورة الأنبياء أنها ذكر فيها أسماء ستة عشر نبيا ومريم ولم يأت في سورة القرآن مثل هذا العدد من أسماء الأنبياء في سورة من سور القرآن عدا ما في سورة الأنعام . فقد ذكر فيها أسماء ثمانية عشر نبيا في قوله تعالى : { وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه } إلى قوله : { ويونس ولوطا } فإن كانت سورة الأنبياء هذه نزلت قبل سورة الأنعام فقد سبقت بالتسمية بالإضافة إلى الأنبياء ، وإلا فاختصاص سورة الأنعام بذكر أحكام الأنعام أوجب تسميتها بذلك الاسم فكانت سورة الأنبياء أجدر من بقية سور القرآن بهذه التسمية ، على أن من الحقائق المسلمة أن وجه التسمية لا يوجبها .
وهي مكية بالاتفاق . وحكي ابن عطية والقرطبي الإجماع على ذلك ونقل السيوطي في الإتقان استثناء قوله تعالى : { أفلا يرون أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها أفهم الغالبون } ، ولم يعزه إلى قائل . ولعله أخذه من رواية عن مقاتل والكلبي عن ابن عباس أن المعنى ننقصها بفتح البلدان ، أي بناء على أن المراد من الرؤية في الآية الرؤية البصرية ، وأن المراد من الأرض أرض الحجاز ، وأن المراد من النقص نقص سلطان الشرك منها . وكل ذلك ليس بالمتعين ولا بالراجح . وسيأتي بيانه في موضعه . وقد تقدم بيانه في نظيرها من سورة الرعد التي هي أيضا مكية بالأرجح أن سورة الأنبياء مكية كلها .
وهي السورة الحادية والسبعون في ترتيب النزول نزلت بعد حم السجدة وقبل سورة النحل ، فتكون من أواخر السور النازلة قبل الهجرة . ولعلها نزلت بعد إسلام من أسلم من أهل المدينة كما يقتضيه قوله تعالى : { وأسروا النجوى الذين ظلموا هل هذا إلا بشر مثلكم أفتأتون السحر وأنتم تبصرون } ، كما سيأتي بيانه ، غير أن ما رواه ابن إسحاق عن ابن عباس أن قوله تعالى في سورة الزخرف : { ولما ضرب ابن مريم مثلا إذا قومك منه يصدون } ، أن المراد بضرب المثل هو المثل الذي ضربه ابن الزبعري لما نزل قوله تعالى : { إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم } كما يأتي يقتضي أن سورة الأنبياء نزلت قبل سورة الزخرف . وقد عدت الزخرف ثانية وستين في النزول .
وعدد آيها في عد أهل المدينة ومكة والشام والبصرة مائة وإحدى عشر وفي عد أهل الكوفة مائة واثنتا عشرة .
والأغراض التي ذكرت في هذه السور هي : الإنذار بالبعث ، وتحقيق وقوعه وإنه لتحقق وقوعه كان قريبا .
وإقامة الحجة عليه بخلق السماوات والأرض عن عدم وخلق الموجودات من السماء .
التحذير من التكذيب بكتاب الله تعالى ورسوله .
والتذكير بأن هذا الرسول صلى الله عليه وسلم ما هو إلا كأمثاله من الرسل وما جاء إلا بمثل ما جاء به الرسل من قبله .
وذكر كثير من أخبار الرسل عليهم السلام .
والتنويه بشأن القرآن وأنه نعمة من الله على المخاطبين وشأن رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم وأنه رحمة للعالمين .
والتذكير بما أصاب الأمم السالفة من جراء تكذيبهم رسلهم وأن وعد الله للذين كذبوا واقع ولا يغرهم تأخيره فهو جاء لا محالة .
وحذرهم من أن يغتروا بتأخيره كما اغتر الذين من قبلهم حتى أصابهم بغتة ، وذكر من أشراط الساعة فتح يأجوج ومأجوج .
وذكرهم بما في خلق السماوات والأرض من الدلالة على الخالق .
ومن الإيماء إلى أن وراء هذه الحياة حياة أخرى أتقن وأحكم لتجزي كل نفس بما كسبت وينتصر الحق على الباطل .
ثم ما في ذلك الخلق من الدلائل على وحدانية الخالق إذا لا يستقيم هذا النظام بتعدد الآلهة .
وتنزيه الله تعالى عن الشركاء وعن الأولاد والاستدلال على وحدانية الله تعالى .
وما يكرهه على فعل ما لا يريد .
وأن جميع المخلوقات صائرون إلى الفناء .
وأعقب ذلك تذكيرهم بالنعمة الكبرى عليهم وهي نعمة الحفظ .
ثم عطف الكلام إلى ذكر الرسل والأنبياء .
وتنظير أحوالهم وأحوال أممهم بأحوال محمد صلى الله عليه وسلم وأحوال قومه .
وكيف نصر الله الرسل على أقوامهم واستجاب دعواتهم .
وأن الرسل كلهم جاءوا بدين الله وهو دين واحد في أصوله قطعه الضالون قطعا .
وأثنى على الرسل وعلى من آمنوا بهم .
وأن العاقبة للمؤمنين في خير الدنيا وخير الآخرة ، وأن الله سيحكم بين الفريقين بالحق ويعين رسله على تبليغ شرعه .
افتتاح الكلام بهذه الجملة أسلوب بديع في الافتتاح لما فيه من غرابة الأسلوب وإدخال الروع على المنذَرين ، فإن المراد بالناس مشركو مكة ، والاقتراب مبالغة في القرب ، فصيغة الافتعال الموضوعة للمطاوعة مستعملة في تحقق الفعل أي اشتد قرب وقوعه بهم .
وفي إسناد الاقتراب إلى الحساب استعارة تمثيلية شبه حال إظلال الحساب لهم بحالة شخص يسعى ليقرب من ديار ناس ، ففيه تشبيه هيئة الحساب المعقولة بهيئة محسوسة ، وهي هيئة المغير والمُعَجِّل في الإغارة على القوم فهو يلح في السير تكلفاً للقرب من ديارهم وهم غافلون عن تطلب الحساب إياهم كما يكون قوم غارّين معرضين عن اقتراب العدوّ منهم ، فالكلام تمثيل .
والمراد من الحساب إما يوم الحساب ، ومعنى اقترابه أنه قريب عند الله لأنه محقق الوقوع ، أو قريب بالنسبة إلى ما مضى من مدة بقاء الدنيا كقول النبي صلى الله عليه وسلم " بُعِثتُ أنا والساعة كهاتين " أو اقترب الحساب كناية عن اقتراب موتهم لأنهم إذا ماتوا رأوْا جَزاء أعمالهم ، وذلك من الحساب . وفي هذا تعريض بالتهديد بقرب هلاكهم وذلك بفنائهم يوم بدر .
أو المراد بالحساب المؤاخذة بالذنب كما في قوله تعالى : { إنْ حسابهم إلاّ على ربي } [ الشعراء : 113 ] وعليه فالاقتراب مستعمل في حقيقته أيضاً فهو من استعمال اللفظ في حقيقته ومجازه .
واللام في قوله { للناس } إن أبقيت على معناها الأصلي من الاختصاص فذكرها تأكيد لمعنى اللام المقدرة في الإضافة في قوله { حسابهم } لأن تقديره : حسابٌ لهم . والضمير عائد إلى { الناس } فصار قوله { للناس } مساوياً للضمير الذي أضيف إليه ( حساب ) فكأنه قيل : اقترب حساب للناس لهم فكانَ تأكيداً لفظياً ، وكما تقول : أزف للحي رَحيلُهم ، أصله أزف الرحيلُ للحيّ ثم صار أزف للحي رحيلُهم ، ومنه قول العرب : لا أبَا لك ، أصله لا أباكَ ، فكانت لام ( لك ) مؤكدة لمعنى الإضافة لإمكان إغناء الإضافة عن ذكر اللام . قال الشاعر :
أبالموت الذي لا بد أني *** مُلاق لا أباك تخوّفيني
وأصل النظم : اقترب للناس الحساب . وإنما نظم التركيب على هذا النظم بأن قدم ما يدل على المضاف إليه وعُرِّف { الناس } تعريف الجنس ليحصل ضرب من الإبهام ثم يقع بعده التبيين ، ولِما في تقديم الجار والمجرور من الاهتمام بأن الاقتراب للناس ليعلم السامع أن المراد تهديد المشركين لأنهم الذين يُكنَّى عنهم بالناس كثيراً في القرآن ، وعند التقديم احتيج إلى تقدير مضاف فصار مثل : اقترب حساب للناس الحساب ، وحذف المضاف لدلالة مفسره عليه . ولما كان الحساب حساب الناس المذكورين جيء بضمير الناس ليعود إلى لفظ الناس فيحصل تأكيد آخر وهذا نمط بديع من نسج الكلام ، ويجوز أن تكون اللام بمعنى ( من ) أو بمعنى ( إلى ) متعلقة ب { اقترب } فيكون المجرور ظرفاً لغواً ، وعن ابن مالك أنه مَثّل لانتهاء الغاية بقولهم : « تقربت منك » .
وجملة { وهم في غفلة معرضون } حال من { الناس ، } أي اقترب منهم الحساب في حال غفلتهم وإعراضهم . والمراد بالناس المشركون لأنهم المقصود بهذا الكلام كما يدل عليه ما بعده .
والغفلة : الذهول عن الشيء وعن طرق علمه ، وقد تقدمت عند قوله تعالى : { وإن كنا عن دراستهم لغافلين } في سورة [ الأنعام : 156 ] ، وقوله تعالى : { ذلك بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين } في [ سورة الأعراف : 146 ] .
والإعراض : صرف العقل عن الاشتغال بالشيء . وتقدم في قوله : { فأعرض عنهم وعظهم } في سورة [ النساء : 63 ] ، وقوله : { فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره } في سورة [ الأنعام : 68 ] .
ودلت ( في ) على الظرفية المجازية التي هي شدة تمكن الوصف منهم ، أي وهم غافلون أشد الغفلة حتى كأنهم منغمسون فيها أو مظروفون في محيطها ، ذلك أن غفلتهم عن يوم الحساب متأصلة فيهم بسبب سابق كفرهم . والمعنى : أنهم غافلون عن الحساب وعن اقترابه .
وإعراضهم هو إبايتهم التأمل في آيات القرآن التي تذكرهم بالبعث وتستدل لهم عليه ، فمتعلق الإعراض غير متعلق الغفلة لأن المعرض عن الشيء لا يعد غافلاً عنه ، أي أنهم لما جاءتهم دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الإيمان وإنذارهم بيوم القيامة استمروا على غفلتهم عن الحساب بسبب إعراضهم عن دلائل التذكير به . فكانت الغفلة عن الحساب منهم غير مقلوعة من نفوسهم بسبب تعطيلهم ما شأنه أن يقلع الغفلة عنهم بإعراضهم عن الدلائل المثبتة للبعث .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
سورة الأنبياء، مكية في قول جميعهم...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
الاستدلال على تحقيق الساعة وقربها ولو بالموت، ووقوع الحساب فيها على الجليل والحقير، لأن موجدها لا شريك له يعوقه عنها، وهو مَن لا يُبدَّل القول لديه، والدال على ذلك أوضح دلالة مجموع قصص جماعة ممن ذُكر فيها من الأنبياء عليهم السلام، ولا يستقل قصة منها استقلالا ظاهرا بجميع ذلك كما سنبين، ولا يخلو قصة من قصصهم عن دلالة على شيء من ذلك فنُسبت إلى الكل – والله الموفق.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
هذه السورة، مكية تعالج الموضوع الرئيسي الذي تعالجه السور المكية.. موضوع العقيدة.. تعالجه في ميادينه الكبيرة: ميادين التوحيد، والرسالة والبعث.
وسياق السورة يعالج ذلك الموضوع بعرض النواميس الكونية الكبرى وربط العقيدة بها. فالعقيدة جزء من بناء هذا الكون، يسير على نواميسه الكبرى؛ وهي تقوم على الحق الذي قامت عليه السماوات والأرض، وعلى الجد الذي تدبر به السموات والأرض، وليست لعبا ولا باطلا، كما أن هذا الكون لم يخلق لعبا، ولم يشب خلقه باطل: (وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما لاعبين)..
ومن ثم يجول بالناس.. بقلوبهم وأبصارهم وأفكارهم.. بين مجالي الكون الكبرى: السماء والأرض، الرواسي والفجاج، الليل والنهار، الشمس والقمر... موجها أنظارهم إلى وحدة النواميس التي تحكمها وتصرفها، وإلى دلالة هذه الوحدة على وحدة الخالق المدبر، والمالك الذي لا شريك له في الملك، كما أنه لا شريك له في الخلق.. (لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا)..
ثم يوجه مداركهم إلى وحدة النواميس التي تحكم الحياة في هذه الأرض، وإلى وحدة مصدر الحياة: (وجعلنا من الماء كل شيء حي) وإلى وحدة النهاية التي ينتهي إليها الأحياء: (كل نفس ذائقة الموت).. وإلى وحدة المصير الذي إليه ينتهون: (وإلينا ترجعون)..
والعقيدة وثيقة الارتباط بتلك النواميس الكونية الكبرى؛ فهي واحدة كذلك وإن تعدد الرسل على مدار الزمان: (وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون).. وقد اقتضت مشيئة الله أن يكون الرسل كلهم من البشر: (وما أرسلنا قبلك إلا رجالا نوحي إليهم)..
وكما أن العقيدة وثيقة الارتباط بنواميس الكون الكبرى، فكذلك ملابسات هذه العقيدة في الأرض؛ فالسنة التي لا تتخلف أن يغلب الحق في النهاية وأن يزهق الباطل، لأن الحق قاعدة كونية وغلبته سنة إلهية: (بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق).. وأن يحل الهلاك بالظالمين المكذبين، وينجي الله الرسل والمؤمنين: (ثم صدقناهم الوعد فأنجيناهم ومن نشاء وأهلكنا المسرفين).. وأن يرث الأرض عباد الله الصالحون: (ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون)..
ومن ثم يستعرض السياق أمة الرسل الواحدة في سلسلة طويلة استعراضا سريعا؛ يطول بعض الشيء عند عرض حلقة من قصة إبراهيم -عليه السلام- وعند الإشارة إلى داود وسليمان، ويقصر عند الإشارة إلى قصص نوح وموسى وهارون ولوط وإسماعيل وإدريس وذي الكفل وذي النون وزكريا ويحيى وعيسى عليهم السلام.
وفي هذا الاستعراض تتجلى المعاني التي سبقت في سياق السورة. تتجلى في صورة وقائع في حياة الرسل والدعوات بعدما تجلت في صورة قواعد عامة ونواميس.
كذلك يتضمن سياق السورة بعض مشاهد القيامة؛ وتتمثل فيها تلك المعاني نفسها في صورة واقع يوم القيامة.
وهكذا تتجمع الإيقاعات المنوعة في السورة على هدف واحد، هو استجاشة القلب البشري لإدراك الحق الأصيل في العقيدة التي جاء بها خاتم الرسل [ص] فلا يتلقاها الناس غافلين معرضين لاهين كما يصفهم في مطلع السورة: (اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون. ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث إلا استمعوه وهم يلعبون. لاهية قلوبهم...).
إن هذه الرسالة حق وجد، كما أن هذا الكون حق وجد، فلا مجال للهو في استقبال الرسالة؛ ولا مجال لطلب الآيات الخارقة؛ وآيات الله في الكون وسنن الكون كله توحي بأنه الخالق القادر الواحد، والرسالة من لدن ذلك الخالق القادر الواحد.
نظم هذه السورة من ناحية بنائه اللفظي وإيقاعه الموسيقي هو نظم التقرير، الذي يتناسق مع موضوعها، ومع جو السياق في عرض هذا الموضوع.. يبدو هذا واضحا بموازنته بنظم سورتي مريم وطه مثلا؛ فهناك الإيقاع الرخي الذي يناسب جوهما، وهنا الإيقاع المستقر الذي يناسب موضوع السورة وجوها..
ويزيد هذا وضوحا بموازنة نظم قصة إبراهيم -عليه السلام- في مريم ونظمها هنا. وكذلك بالتأمل في الحلقة التي أخذت منها هنا الحلقة التي أخذت منها هناك. ففي سورة مريم أخذت حلقة الحوار الرخي بين إبراهيم وأبيه. أما هنا فجاءت حلقة تحطيم الأصنام، وإلقاء إبراهيم في النار. ليتم التناسق في الموضوع والجو والنظم والإيقاع.
والسياق في هذه السورة يمضي في أشواط أربعة:
الأول: ويبدأ بمطلع قوي الضربات، يهز القلوب هزا، وهو يلفتها إلى الخطر القريب المحدق، وهي عنه غافلة لاهية: اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون... الخ.
ثم يهزها هزة أخرى بمشهد من مصارع الغابرين، الذين كانوا عن آيات ربهم غافلين، فعاشوا سادرين في الغي ظالمين: (وكم قصمنا من قرية كانت ظالمة وأنشأنا بعدها قوما آخرين. فلما أحسوا بأسنا إذا هم منها يركضون. لا تركضوا وارجعوا إلى ما أترفتم فيه ومساكنكم لعلكم تسألون. قالوا: يا ويلنا! إنا كنا ظالمين. فما زالت تلك دعواهم حتى جعلناهم حصيدا خامدين)..
ثم يربط بين الحق والجد في الدعوة، والحق والجد في نظام الكون، وبين عقيدة التوحيد ونواميس الوجود، وبين وحدة الخالق المدبر ووحدة الرسالة والعقيدة. ووحدة مصدر الحياة ونهايتها ومصيرها على النحو الذي أسلفناه.
فأما الشوط الثاني فيرجع بالحديث إلى الكفار الذين يواجهون الرسول [ص] بالسخرية والاستهزاء، بينما الأمر جد وحق، وكل ما حولهم يوحي باليقظة والاهتمام، وهم يستعجلون العذاب والعذاب منهم قريب.. وهنا يعرض مشهدا من مشاهد القيامة، ويلفتهم إلى ما أصاب المستهزئين بالرسل قبلهم، ويقرر أن ليس لهم من الله من عاصم. ويوجه قلوبهم إلى تأمل يد القدرة وهي تنقص الأرض من أطرافها، وتزوي رقعتها وتطويها، فلعل هذا أن يوقظهم من غفلتهم التي جاءتهم من طول النعمة وامتداد الرخاء..
وينتهي هذا الشوط بتوجيه الرسول [ص] إلى بيان وظيفته: (قل: إنما أنذركم بالوحي) وإلى الخطر الذي يتهددهم في غفلتهم: (ولا يسمع الصم الدعاء إذا ما ينذرون) حتى تنصب الموازين القسط وهم في غفلتهم سادرون.
ويتضمن الشوط الثالث استعراض أمة النبيين، وفيها تتجلى وحدة الرسالة والعقيدة، كما تتجلى رحمة الله بعباده الصالحين وإيحاؤه لهم وأخذ المكذبين.
أما الشوط الرابع والأخير فيعرض النهاية والمصير، في مشهد من مشاهد القيامة المثيرة: ويتضمن ختام السورة بمثل ما بدأت: إيقاعا قويا، وإنذارا صريحا، وتخلية بينهم وبين مصيرهم المحتوم..
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
وهي السورة الحادية والسبعون في ترتيب النزول. نزلت بعد حم السجدة، وقبل سورة النحل، فتكون من أواخر السور النازلة قبل الهجرة، ولا يعرف لها اسم غير هذا. ووجه تسميتها سورة الأنبياء أنها ذكر فيها أسماء ستة عشر نبيا ومريم ولم يأت في سورة من سور القرآن مثل هذا العدد من أسماء الأنبياء عدا ما في سورة الأنعام. فقد ذكر فيها أسماء ثمانية عشر نبيا في قوله تعالى: {وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه} إلى قوله: {ويونس ولوطا} فإن كانت سورة الأنبياء هذه نزلت قبل سورة الأنعام فقد سبقت بالتسمية بالإضافة إلى الأنبياء، وإلا فاختصاص سورة الأنعام بذكر أحكام الأنعام أوجبَ تسميتها بذلك الاسم فكانت سورة الأنبياء أجدر من بقية سور القرآن بهذه التسمية، على أن من الحقائق المسلمة أن وجه التسمية لا يوجبها...
تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :
سميت هذه السورة بهذا الاسم، تأكيداً على مفهوم النبوّة، في التصور المنحرف الذي كان يحمله الناس في كثير من مراحل حركتها، حيث أنهم كانوا يتوهمون قدرات خارقة للنبي الذي كانوا يتصورونه في صورة الملاك الذي يغير الصورة الكونية التي أقام الله الكون على أساسها، فكانت حركة الآيات في هذه السورة تأكيداً للمفهوم الحقيقي الذي يعطي الفكرة الحاسمة التي تركز فكرة النبي البشر الذي يوحى إليه من الله برسالاته، بعيداً عن أيّة حالة غير عادية من الناحية الذاتية. وقد جرت السورة على خط النهج القرآني الذي يربط كل الأشياء بالتوحيد، ويثير في الناس التفكير بالمعاد، ليتدبّروا وليتحركوا في الاتجاه السليم، من خلال الفكر والموقف والحركة والعبادة، لينتهي بهم إلى التفكير باليوم الآخر من أجل تحضير كل الأجواء الروحية والمادية للوصول إلى ساحة رضا الله في الجنة.
... ثم تنطلق السورة لتظهر حركة النبوّة في ساحة التحدّي، فنجد الاتهامات التقليدية الحائرة البائسة التي ينطلق فيها الكافرون من دون وعي لينتقلوا من وصف النبي بالساحر، ثم بالأسطوري ثم نعته بالكذب، وأنه شاعر.. وهكذا لم تكن المشكلة لديهم أن يَصْدُقُوا في التهمة، بل أن يشوّهوا الصورة أمام أي اتهام.
وقد استفادت السورة من إيمان المعاصرين للنبي محمد (ص) بالأنبياء السابقين، فقارنت بينه وبينهم، لتثبت لهم أنه لم يكن بدعاً من الرسل، وأنه لا يختلف عنهم في قليل ولا في كثير، فإذا آمنوا بهم فعليهم أن يؤمنوا به.
ثم كانت هناك جولة في قصص الأنبياء السابقين بشكل سريع، فتحدثت عن موسى، وهارون، وإبراهيم، وإسحاق، ويعقوب، ولوط، ونوح، وداود، وسليمان، وأيوب، وإسماعيل، وإدريس، وذي الكفل، وذي النون، وزكريا، ويحيى، وعيسى (عليهم السلام أجمعين).
وتنتهي الجولة بيوم الحساب وما يلقاه الكافرون والمؤمنون هناك، وكيف تكون العاقبة للمؤمنين الصالحين من عباد الله الذين يرثون الأرض؛ وتتنوّع اللمحات الخاطفة التي تتحرك في السورة لتنتقل بالإنسان من موقع العقيدة، إلى حركة الأخلاق، ومن أحداث الدنيا إلى أحداث الآخرة، لتوحي إليه بأن هناك وحدةً في الخط الذي يربط بين المبدأ والمعاد، وأن الله الواحد هو المستعان على الهدى في الفكر والحركة والحياة، وهو الذي يفتح قلب الإنسان على آفاق الشروق المنطلقة من التوحيد الخالص الذي لا يرى فيه الإنسان إلا الله، فلا يعبد غيره، ولا يخلص لسواه.
بين الإنسان الغافل والنبيّ الداعية:
ما مشكلة الناس في ما يستمعون إليه من دعوة الله ومن قضايا الصراع بين الحق والباطل؟ وما مشكلة الأنبياء أمام هؤلاء، في تحركهم مع الدعوة؟ هل هي قصة فكرة ترفض فكرة، أو شبهة تناقش موقفاً، لتكون المسألة هي مسألة القضايا الفكرية التي يثيرها الكافرون والمشككون ضد الدعوة؟ أو هي قصة اللامبالاة الفكرية التي يواجهونها بها، فهم يبتعدون عن التعمق في ما يثيره من أفكار ونتائج، لأنهم لا يريدون الانفتاح على الآفاق الواسعة في مطالع الشروق؟
إنها الغفلة المتعمدة التي يرفض فيها الإنسان أن يفكر ويحاور، أو يتراجع أمام الحجة القوية التي يثيرها الآخرون ضد فكره فينغلق على الذات، ويبتعد عن الواقع الحاضر والمستقبلي نتيجة ما تتمخض عنه المواقف السلبية من نتائج خطيرة على مصيره.
وتلك هي مشكلة الأنبياء الذين يواجهون هؤلاء الناس الذين يحملون، أو يثيرون أفكاراً خاطئة حول النبي والنبوة، كما لو كانت أفكاراً نهائية حاسمة لا مجال فيها للجدل.
ويبقى للقرآن في قصة الإنسان الغافل، ومشكلة النبي الداعية، أن يَبْسُط المشكلة، ويعالج الفكرة من حيث طبيعتها الموضوعية، ونتائجها السلبية؛ لتكون درساً لإنسان المستقبل الذي يفتح قلبه للفكر القادم من الوحي المتحرك في طريق العقل.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره: دنا حساب الناس على أعمالهم التي عملوها في دنياهم ونعمه التي أنعمها عليهم فيها في أبدانهم، وأجسامهم، ومطاعمهم، ومشاربهم، وملابسهم وغير ذلك من نعمه عندهم، ومسألته إياهم ماذا عملوا فيها وهل أطاعوه فيها، فانتهوا إلى أمره ونهيه في جميعها، أم عصوه فخالفوا أمره فيها؟ "وَهُمْ في غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ "يقول: وهم في الدنيا عما الله فاعل بهم من ذلك يوم القيامة، وعن دنوّ محاسبته إياهم منهم، واقترابه لهم في سهو وغفلة، وقد أعرضوا عن ذلك، فتركوا الفكر فيه والاستعداد له والتأهب، جهلاً منهم بما هم لاقوه عند ذلك من عظيم البلاء وشديد الأهوال...
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
{وهم في غفلة معرضون} ظاهر هذا أنه نزل في المشركين لأنها نزلت بمكة، وكان أكثر أهلها أهل شرك. لكن لأهل الإسلام في ذلك حظ وشرك في ما وصفهم بالغفلة عن ذلك والإعراض عنه. وأهل الإسلام قد يغفلون عن الحساب، إلا أن غفلة أهل الكفر غفلة تكذيب، وإعراضهم تكذيب بالحساب والآيات التي أنزلها عليهم، وغفلة أهل الإسلام ليست كذا، قد آمنوا بالحساب، وصدقوا بآياته، وعرفوها، لكنهم غفلوا عن الحساب لشهوات مكنت فيهم، وغلبت شهواتهم، وأغفلتهم عنه، فهم من هذه الجهة كأولئك. فأما من جهة الإيمان به والتصديق بالآيات فليسوا كأولئك. ثم وصف الحساب والساعة بالقرب والدنو والإتيان كقوله: {اقتربت الساعة} [القمر: 1] وقوله: {أتى أمر الله} [النحل: 1] وقوله: {اقترب للناس حسابهم} وأمثاله. هي قريبة كالمأتية عند الله تعالى... و أما الخلق فإنهم قد استبعدوها لأنهم إنما يقدرون ذلك بآجالهم وأعمارهم، وما جاوز أعمارهم فهو عندهم بعيد ليس بقريب، وهذا إنما يكون بعد ذهاب أعمارهم...
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
هذا إخبار من الله تعالى بأنه "اقترب للناس "يعني: دنا وقت "حسابهم" ومعناه دنا وقت إظهار ما للعبد وما عليه ليجازى به وعليه... وقيل إنه دنا لأنه بالإضافة إلى ما مضى يسير...
والاقتراب قصر مدة الشيء بالإضافة إلى ما مضى من زمانه. وحقيقة القرب قلة ما بين الشيئين، يقال: قرب ما بينهما تقريبا إذا قلل ما بينهما من مدة او مسافة أو أي فاصلة، والقرب قد يكون في الزمان، وفى المكان، وفي الحال. وقد قيل: كل آت قريب، فلذلك وصف الله تعالى القيامة بالاقتراب، لأنها جائية بلا خلاف.
وقوله "وهم في غفلة معرضون" فالغفلة: السهو، وهو ذهاب المعنى عن النفس، ونقيضها اليقظة، ونقيض السهو الذكر، وهو حضور المعنى للنفس. والنسيان، هو غروب المعنى عن النفس بعد حضوره.
وقوله "معرضون" يعني عن الفكر في ذلك، والعمل بموجبه.
وقيل: هم في غفلة بالاشتغال بالدنيا، معرضون عن الآخرة.
وقيل: هم في غفلة بالضلال، معرضون عن الهدى. وهو مثل ما قلناه.
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
... والمراد اقتراب الساعة، وإذا اقتربت الساعة فقد اقترب ما يكون فيها من الحساب والثواب والعقاب وغير ذلك. ونحوه: {واقترب الوعد الحق} [الأنبياء: 97]
فإن قلت: كيف وصف بالاقتراب وقد عدّت دون هذا القول أكثر من خمسمائة عام؟ قلت: هو مقترب عند الله والدليل عليه قوله عزّ وجلّ: {وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بالعذاب وَلَن يُخْلِفَ الله وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْماً عِندَ رَبّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مّمَّا تَعُدُّونَ} [الحج: 47] ولأنّ كلّ آت -وإن طالت أوقات استقباله وترقبه- قريب، إنما البعيد هو الذي وجد وانقرض، ولأنّ ما بقي في الدنيا أقصر وأقل مما سلف منها، بدليل انبعاث خاتم النبيين الموعود مبعثه في آخر الزمان... وإذا كانت بقية الشيء وإن كثرت في نفسها قليلة بالإضافة إلى معظمه، كانت خليقة بأن توصف بالقلة وقصر الذرع. وعن ابن عباس رضي الله عنهما: أنّ المراد بالناس: المشركون. وهذا من إطلاق اسم الجنس على بعضه للدليل القائم. وهو ما يتلوه من صفات المشركين. وصفهم بالغفلة مع الإعراض، على معنى: أنهم غافلون عن حسابهم ساهون، لا يتفكرون في عاقبتهم، ولا يتفطنون لما ترجع إليه خاتمة أمرهم، مع اقتضاء عقولهم أنه لا بدّ من جزاء للمحسن والمسيء. وإذا قرعت لهم العصا ونبهوا عن سنة الغفلة وفطنوا لذلك بما يتلى عليهم من الآيات والنذر. أعرضوا وسدوا أسماعهم ونفروا.
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
{اقترب للناس حسابهم} عام في جميع الناس... وإن كان المشار إليه في ذلك الوقت كفار قريش، ويدل على ذلك ما بعدُ من الآيات.
...المسألة الثالثة: إنما ذكر تعالى هذا الاقتراب لما فيه من المصلحة للمكلفين فيكون أقرب إلى تلافي الذنوب والتحرز عنها خوفا من ذلك، والله أعلم...
المسألة الرابعة: إنما لم يعين الوقت لأجل أن كتمانه أصلح، كما أن كتمان وقت الموت أصلح...
المسألة الخامسة: الفائدة في تسمية يوم القيامة بيوم الحساب أن الحساب هو الكاشف عن حال المرء فالخوف من ذكره أعظم.
المسألة السادسة: يجب أن يكون المراد بالناس من له مدخل في الحساب وهم المكلفون دون من لا مدخل له.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
مطلع قوي يهز الغافلين هزا، والحساب يقترب وهم في غفلة، والآيات تعرض وهم معرضون عن الهدى، والموقف جد وهم لا يشعرون بالموقف وخطورته...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
افتتاح الكلام بهذه الجملة أسلوب بديع في الافتتاح لما فيه من غرابة الأسلوب وإدخال الروع على المنذَرين، فإن المراد بالناس مشركو مكة، والاقتراب مبالغة في القرب، فصيغة الافتعال الموضوعة للمطاوعة مستعملة في تحقق الفعل أي اشتد قرب وقوعه بهم.
وفي إسناد الاقتراب إلى الحساب استعارة تمثيلية شبه حال إظلال الحساب لهم بحالة شخص يسعى ليقرب من ديار ناس، ففيه تشبيه هيئة الحساب المعقولة بهيئة محسوسة، وهي هيئة المغير والمُعَجِّل في الإغارة على القوم فهو يلح في السير تكلفاً للقرب من ديارهم وهم غافلون عن تطلب الحساب إياهم كما يكون قوم غارّين معرضين عن اقتراب العدوّ منهم، فالكلام تمثيل.
والمراد من الحساب إما يوم الحساب، ومعنى اقترابه أنه قريب عند الله لأنه محقق الوقوع، أو قريب بالنسبة إلى ما مضى من مدة بقاء الدنيا كقول النبي صلى الله عليه وسلم "بُعِثتُ أنا والساعة كهاتين "أو اقترب الحساب كناية عن اقتراب موتهم لأنهم إذا ماتوا رأوْا جَزاء أعمالهم، وذلك من الحساب. وفي هذا تعريض بالتهديد بقرب هلاكهم وذلك بفنائهم يوم بدر.
أو المراد بالحساب المؤاخذة بالذنب كما في قوله تعالى: {إنْ حسابهم إلاّ على ربي} [الشعراء: 113] وعليه فالاقتراب مستعمل في حقيقته أيضاً فهو من استعمال اللفظ في حقيقته ومجازه...
وجملة {وهم في غفلة معرضون} حال من {الناس،} أي اقترب منهم الحساب في حال غفلتهم وإعراضهم. والمراد بالناس المشركون لأنهم المقصود بهذا الكلام كما يدل عليه ما بعده.
والغفلة: الذهول عن الشيء وعن طرق علمه، وقد تقدمت عند قوله تعالى: {وإن كنا عن دراستهم لغافلين} في سورة [الأنعام: 156]، وقوله تعالى: {ذلك بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين} في [سورة الأعراف: 146].
والإعراض: صرف العقل عن الاشتغال بالشيء. وتقدم في قوله: {فأعرض عنهم وعظهم} في سورة [النساء: 63]، وقوله: {فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره} في سورة [الأنعام: 68].
ودلت (في) على الظرفية المجازية التي هي شدة تمكن الوصف منهم، أي وهم غافلون أشد الغفلة حتى كأنهم منغمسون فيها أو مظروفون في محيطها، ذلك أن غفلتهم عن يوم الحساب متأصلة فيهم بسبب سابق كفرهم. والمعنى: أنهم غافلون عن الحساب وعن اقترابه.
وإعراضهم هو إبايتهم التأمل في آيات القرآن التي تذكرهم بالبعث وتستدل لهم عليه، فمتعلق الإعراض غير متعلق الغفلة لأن المعرض عن الشيء لا يعد غافلاً عنه، أي أنهم لما جاءتهم دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الإيمان وإنذارهم بيوم القيامة استمروا على غفلتهم عن الحساب بسبب إعراضهم عن دلائل التذكير به. فكانت الغفلة عن الحساب منهم غير مقلوعة من نفوسهم بسبب تعطيلهم ما شأنه أن يقلع الغفلة عنهم بإعراضهم عن الدلائل المثبتة للبعث.