لطائف الإشارات للقشيري - القشيري  
{ٱقۡتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمۡ وَهُمۡ فِي غَفۡلَةٖ مُّعۡرِضُونَ} (1)

مقدمة السورة:

بسم الله اسم عزيز من توسل إليه بطاعته تفضل عليه بجميل نعمته ؛ إن أطاع فضله ، وإن أضاع أمهله ، ثم إن آب وأقر . . ذكره ، وإن عصى وعاب ستره ، فإن تنصل رحمه ، وإن تكبر قصمه .

اسم عزيز ما استنارت الظواهر إلا بآثار توفيقه ، وما استضاءت السرائر إلا بأنوار تحقيقه ؛ بتوفيقه وصل العابدون إلى مجاهدتهم ، وبتحقيقه وجد العارفون كمال مشاهدتهم ، وبتمام مجاهدتهم وجدوا آجل مثوبتهم ، وبدوام مشاهدتهم نالوا عاجل قربتهم .

فالمطيعون منهم عَظُمَ لدينا ثوابُهم ، والعاصون منهم حَقَّ مِنَّا عقابُهم .

{ فِى غَفْلَةٍ } [ الأنبياء :1 ] يقال الغفلة على قسمين : غافلٍ عن حسابه باستغراقه في دنياه وهواه ، وغافلٍ عن حسابه لاستهلاكه في مولاه ؛ فالغفلة الأولى سِمَةُ الهجر والغفلة الثانية صِفَةُ الوَصْل ؛ فالأَولون لا يستفيقون من غفلتهم إلا من سكرة الموت ، وهؤلاء لا يرجعون عن غيبتهم أبد الأبدِ لفنائهم في وجود الحق تعالى .