معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَمَا قَدَرُواْ ٱللَّهَ حَقَّ قَدۡرِهِۦ وَٱلۡأَرۡضُ جَمِيعٗا قَبۡضَتُهُۥ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ وَٱلسَّمَٰوَٰتُ مَطۡوِيَّـٰتُۢ بِيَمِينِهِۦۚ سُبۡحَٰنَهُۥ وَتَعَٰلَىٰ عَمَّا يُشۡرِكُونَ} (67)

قوله عز وجل{ وما قدروا الله حق قدره } ما عظموه حق عظمته حين أشركوا به غيره ، ثم أخبر من عظمته فقال : { والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون } أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنبأنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنبأنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا آدم ، حدثنا شيبان ، عن منصور ، عن إبراهيم ، عن عبيدة ، عن عبد الله بن مسعود قال : " جاء حبر من الأحبار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " يا محمد إنا نجد أن الله يجعل السماوات على إصبع ، والأرضين على إصبع ، والشجر على إصبع ، والماء والثرى على إصبع ، وسائر الخلق على إصبع ، فيقول : أنا الملك ، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجده تصديقاً لقول الحبر " ثم قرأ : { وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة } ورواه مسلم بن الحجاج ، عن عبد الله بن يونس ، عن فضيل بن عياض ، عن منصور ، وقال : " والجبال والشجر على إصبع ، وقال : ثم يهزهن هزاً ، فيقول " أنا الملك أنا الله " . أخبرنا أحمد بن إبراهيم الشريحي ، أنبأنا أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي ، أخبرني الحسين بن فنجويه ، حدثنا عمر بن الخطاب ، حدثنا عبد الله بن الفضل ، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا أبو أسامة ، عن عمر بن حمزة ، عن سالم بن عبد الله ، أنبأنا عبد الله بن عمر ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يطوي الله السماوات يوم القيامة ، ثم يأخذهن بيده اليمنى ، ثم يقول : أنا الملك : أين الجبارون أين المتكبرون ؟ ثم يطوي الأرضين ، ثم يأخذهن بشماله ، ثم يقول : أنا الملك : أين الجبارون أين المتكبرون ؟ " هذا حديث صحيح ، أخرجه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة ، أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن أبي توبة الكشمهيني ، حدثنا أبو طاهر محمد بن أحمد بن الحارث ، حدثنا محمد بن يعقوب الكسائي ، أنبأنا عبد الله بن محمود ، أنبأنا إبراهيم بن عبد الله الخلال ، حدثنا عبد الله بن مبارك ، عن يونس ، عن الزهري ، حدثني سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " يقبض الله الأرض يوم القيامة ، ويطوي السماء بيمينه ، ثم يقول : أنا الملك : أين ملوك الأرض " .

 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{وَمَا قَدَرُواْ ٱللَّهَ حَقَّ قَدۡرِهِۦ وَٱلۡأَرۡضُ جَمِيعٗا قَبۡضَتُهُۥ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ وَٱلسَّمَٰوَٰتُ مَطۡوِيَّـٰتُۢ بِيَمِينِهِۦۚ سُبۡحَٰنَهُۥ وَتَعَٰلَىٰ عَمَّا يُشۡرِكُونَ} (67)

قوله تعالى : { وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ } .

يبين الله أن الكافرين بجحودهم وتكذيبهم لم يقدروه بما هو أهله من التقدير . وهو قوله : { وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ } أي ما عظّموه حق تعظيمه . تعظيم يليق بكماله وجلاله وعظيم سلطانه . لا جرم أن الله حقيق بالطاعة والعبادة وجميل الثناء والشكران . وهو مستوجب الإفراد بالإلهية والربوبية ليكون له وحده كامل الطاعة والإذعان . ومن لم يؤمن بهذه الحقيقة فعصى ربه أو استكبر عن عبادته أو اتخذ معه آلهة أخرى ، فما عظَّمه بما هو أهله .

قوله : { وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } { وَالْأَرْضُ } ، مبتدأ مرفوع . و { قَبْضَتُهُ } خبر ، و { جَمِيعًا } ، منصوب على الحال{[3996]} أي الأرض يوم القيامة في إحاطته وملكوته وتحت قدرته وإرادته { وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ } { مَطْوِيَّاتٌ } من الانطواء وهو الفناء والذهاب . والمراد باليمين هنا القوة والقدرة . وقيل : مطويات ، من الطيِّ وهو ضد النشر . ومطويات بيمينه ؛ أي في قدرته . قال ابن عباس في ذلك : ما السماوات السبع والأرضون السبع في يد الله إلا كخردلة في يد أحدكم .

قوله : { سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ } ينزِّهُ الله نفسه ويتعالى علوًّا عظيما عما يشرك به المشركون من اتخاذ الآلهة معه والأنداد{[3997]} .


[3996]:البيان لابن الأنباري ج 2 ص 326
[3997]:تفسير الطبري ج 24 ص 17-19 وتفسير الرازي ج 27 ص 17