الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{وَمَا قَدَرُواْ ٱللَّهَ حَقَّ قَدۡرِهِۦ وَٱلۡأَرۡضُ جَمِيعٗا قَبۡضَتُهُۥ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ وَٱلسَّمَٰوَٰتُ مَطۡوِيَّـٰتُۢ بِيَمِينِهِۦۚ سُبۡحَٰنَهُۥ وَتَعَٰلَىٰ عَمَّا يُشۡرِكُونَ} (67)

{ وَمَا قَدَرُواْ اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ } حين أشركوا به غيره ، ثم خبر عن عظمته فقال { وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ } أيّ ملكه { يَوْمَ الْقِيَامَةِ } بلا مانع ولا منازع ولا مدّع ، وهي اليوم أيضاً ملكه ، ونظيره قوله تعالى :

{ مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ } [ الفاتحة : 4 ] و و

{ لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ } [ غافر : 16 ] .

قال الأخفش : هذا كما يقال خراسان في قبض فلان ، ليس أنها في كفّه وإنما معناه ملكه .

{ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ } للطي معان منها : الإدراج كطي القرطاس والثوب بيانه يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب ، ومنه الإخفاء كما تقول : طويت فلاناً عن الأعين ، وأطو هذا الحديث عني أي استره .

ومنه : الإعراض يقال : طويت عن فلان أو أعرضت عنه .

ومنه : الافناء ، تقول العرب : طويت فلاناً بسيفي ، أي أفنيته .

وقراءة العامة : مطويات بالرفع . وقرأ عيسى بن عمر : بالكسر ومحلها النصب على الحال والقطع ، وإنما يذكر اليمين للمبالغة في الاقتدار .

وقيل : هو معنى القوة ، كقول الشاعر :

تلقاها عرابة باليمين

وقيل : اليمين بمعنى القسم ، لأنه حلف أنه يطويها ويفنيها . وهو اختيار علي بن مهدي الطبري قال : معناه مضنيات بقسمه .

حكى لي أُستاذنا أبو القاسم بن حبيب عنه ثم نزه نفسه ، وقال تعالى : { سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ } ثم أتى ذاكر بعض ما ورد من الآثار في تفسير هذه الآية .

أخبرنا عبد الله بن حامد بقرائتي عليه حدثنا محمّد بن جعفر المطري حدثنا علي بن حرب الموصلي حدثنا ابن فضيل حدثنا الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا أبا القاسم ان الله يمسك السماوات على أصبع ، والأرضين على أصبع ، والجبال على إصبع ، والشجر على إصبع ، والخلائق على إصبع ، ثم يقول هكذا بيده .

فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه ، ثم قال : " وَمَا قَدَرُواْ اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ " .

وأنبأني عبد الله بن حامد أخبرنا أبو بكر أحمد بن إسحاق الفقيه أخبرنا العبّاس بن الفضل الاسقاطي حدثنا أحمد بن يونس حدثنا فضيل بن عياض عن منصور عن إبراهيم عن عبيدة عن عبيد الله قال : جاء حبر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا محمّد أو يا أبا القاسم ان الله يمسك السماوات يوم القيامة على إصبع ، والأرضين على إصبع ، والجبال على إصبع ، والشجر على إصبع ، والثرى على إصبع ، وسائر الخلق على إصبع ، يهززهن فيقول : أنا الملك أنا الملك .

فضحك النبي صلى الله عليه وسلم تعجباً ممّا قال الحبر تصديقاً له ، ثم قرأ { وَمَا قَدَرُواْ اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَة } .

أخبرنا أحمد بن محمّد بن يوسف القصري بها أخبرنا إسماعيل بن محمّد بن إسماعيل ببغداد حدثنا الحسن بن عرفة حدثنا محمّد بن صالح الواسطي عن سليمان بن محمّد عن عمر بن نافع عن أبيه قال : قال عبد الله بن عمر رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قائماً على هذا المنبر يعني منبر رسول الله ( عليه السلام ) وهو يحكي عن ربّه تبارك وتعالى فقال : " إن الله تعالى إذا كان يوم القيامة جمع السماوات والأرضين السبع في قبضته ثم قال هكذا وشد قبضته ثم بسطها ثم يقول : أنا الله ، أنا الرحمن ، أنا الملك ، أنا القدوس ، أنا السلام ، أنا المؤمن ، أنا المهيمن ، أنا العزيز ، أنا الجبار ، أنا المتكبر ، أنا الذي بدأت الدُّنيا ولم يك شيئاً ، أنا الذي اعدتها ، أين الملوك أين الجبابرة " .

أخبرنا ابن فنجويه الدينوري حدثنا عمر بن الخطاب حدثنا عبد الله بن الفضل حدثنا هدية ابن خالد حدثنا حماد بن سلمة عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن عبيد الله بن مقسم عن ابن عمر : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ على المنبر { وَمَا قَدَرُواْ اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ } فبسط رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه ثم قال : " فيمجّد الله نفسه ، أنا الجبار ، أنا المتكبر ، أنا العزيز ، أنا الملك ، أين الجبارون ، أين المتكبرون " .

قال : فرجف المنبر حتّى قلنا ليتحركنَّ به ، وقيل : ليخرنَّ به .

أخبرنا الحسين بن محمّد حدثنا عمر عن عبد الله حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أبو أُسامة عن عمر بن حمزة عن سالم بن عبد الله حدثني عبد الله بن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يطوي الله السماوات يوم القيامة ثم يأخذهن بيده اليمنى ثم يقول : أنا الملك ، أين الجبارون ؟ أين المتكبرون " .

أخبرنا عبد الله بن حامد إجازة أخبرنا محمّد بن الحسين حدثنا محمّد بن جعونة أخبرنا أبو اليمان الحكم بن نافع حدثنا أبو بكر بن أبي مريم الغساني عن سعيد بن ثوبان الكلاعي عن أبي أيوب الأنصاري عن النبي صلى الله عليه وسلم " أنه أتاه حبر من أحبار اليهود فقال : إني سائلك عن أشياء فخبّرني بها .

فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : " اسأل ذلك " .

فقال الحبر : أرأيت قول الله تعالى في كتابه : ( يوم تبدّل الأرض غير الأرض والسماوات ) فأين الخلق عند ذلك ؟

فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " هم أضياف الله تعالى فلن يعجزهم ما لديه " .

فقال الحبر : فقوله سبحانه وتعالى : { وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ } فأين الخلق عند ذلك ؟

فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " هم فيها كالرقيم في الكتاب " .

وقال ابن عبّاس : في هذه الآية كل ذلك يمينه ، وليس في يده الأُخرى شيء ، وإنما يستعين بشماله المشغولة يمينه ، وما السماوات والأرضون السبع في يدي الله تعالى إلاّ كخردلة في يد أحدكم .

أنبأني عقيل بن أحمد : أن المعافا بن زكريا أخبره عن محمّد بن جرير حدثنا ابن حميد حدثنا سلمة حدثني ابن إسحاق عن محمّد عن سعيد قال : اتى رهط من اليهود النبي صلى الله عليه وسلم وقالوا : يا محمّد هذا الله خلق الخلق ، فمن خلقه ؟

فغضب النبي صلى الله عليه وسلم حتّى انتقع لونه ثم ساورهم غضباً لربّه فجاءه جبرئيل( عليه السلام )فسكنه وقال : اخفض عليك جناحك وجاءه من الله بجواب ما سألوه عنه ، قال يقول الله :

{ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } [ الإخلاص : 1-4 ] .

فلما تلاها عليهم النبي صلى الله عليه وسلم قالوا له : صف لنا ربك كيف خلقه وكيف عضده وكيف ذراعه ؟

فغضب النبي صلى الله عليه وسلم أشد من غضبه الأول ثم ساورهم فجاءه جبرئيل فقال : مثل مقالته ، وأتاه بجواب ما سألوه { وَمَا قَدَرُواْ اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } الآية .

وقال مجاهد : وكلتا يدي الرحمن يمين .

أخبرنا أبو محمّد عبد الله بن حامد الأصبهاني أخبرنا أبو بكر أحمد بن إسحاق أخبرنا بشير بن موسى حدثنا الحميدي حدثنا سفيان حدثنا عمرو بن دينار أخبرنا عمرو بن أوس الثقفي : أنه سمع عبد الله بن عمرو يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " المقسطون عند الله تعالى يوم القيامة على منابر من منابر النور على يمين الرحمن وكلتا يديه يمين الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا " .

وقال الحسين بن الفضل والأخفش معنى الآية { وَالأَرْضُ جَمِيعاً . . . وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ } أي مضبوطات مربوطات بيمينه ، أي بقدرته وهي كلها في ملكه وقبضته ، نحو قوله تعالى :

{ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ } [ النساء : 36 ] أي وما كانت لكم قدرة ، وليس الملك لليمين دون سائر الجسد والله أعلم .