الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{وَمَا قَدَرُواْ ٱللَّهَ حَقَّ قَدۡرِهِۦ وَٱلۡأَرۡضُ جَمِيعٗا قَبۡضَتُهُۥ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ وَٱلسَّمَٰوَٰتُ مَطۡوِيَّـٰتُۢ بِيَمِينِهِۦۚ سُبۡحَٰنَهُۥ وَتَعَٰلَىٰ عَمَّا يُشۡرِكُونَ} (67)

ثم قال تعالى : { وما قدروا الله حق قدره } ، أي : ما عظموه حق عظمته .

قال ابن عباس : هم الكفار الذين لم يؤمنوا بقدرة الله عز وجل عليهم ، ومن آمن أن الله على كل شيء قدير فقد قدر الله حق قدره ، ومن لم يؤمن بذلك لم يقدر الله {[59193]} حق قدره {[59194]} .

قال أبو عبيدة : معناه : ما عرفوا الله حق معرفته {[59195]} .

وقيل التقدير : ما قدروا نعم الله حق قدر نعمه .

وأكثر المفسرين على أن المعنى : ما عظّموه حق عظمته ، وما وصفوه حق صفته : إذ عبدوا غيره معه ، فهو خالق جميع الأشياء ومالكها ، والأرض جميعا كلها قبضته يوم القيامة {[59196]} .

( قال ابن عباس وغيره : الأرض والسماوات جميعا في يمينه يوم القيامة ) {[59197]} .

قال ابن عباس {[59198]} ما السماوات السبع والأرضون {[59199]} السبع في يد الله جل ذكره إلا كخردلة في يد أحدكم {[59200]} .

قال الحسن : والأرض جميعا قبضته يوم القيامة {[59201]} ، قال : كأنها جوزة {[59202]} بقضها وقضيضها {[59203]} {[59204]} .

قال الضحاك : السماوات والأرض مطويات بيمينه جميعا {[59205]} .

وروى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال وهو على المنبر يخطب :

" يأخذ الله عز وجل السماوات والأرض السبع فيجعلها في كفيه ، ثم يقول بهما كما يقول الغلام بالكرة : أنا الله ، أنا الواحد ، أنا العزيز " حتى لقد رأيت المنبر وإنه ليكاد يسقط به {[59206]} .

وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أن يهوديا جاء ، فقال : يا محمد ، إن الله يمسك السماوات على إصبع والأرضين على إصبع ، والجبال على إصبع الخلائق على إصبع ثم يقول : أنا الله . فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجده ، ثم قال : " { وما قدروا الله حق قدره } . قال : فضحك النبي صلى الله عليه وسلم تعجبا وتصديقا {[59207]} .

وروي أن رهطا من اليهود أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا {[59208]} : يا محمد : هذا الله خلق الخلق ، فمن خلقه ؟ ! .

فغضب النبي صلى الله عليه وسلم حتى انتقع لونه ، ثم شاورهم عضبا لربه عز وجل فجاءه جبريل صلى الله عليه وسلم يسكنه . وجاءه من الله تعالى جواب ما سألوه عنه ، فقال : يقول الله : { قل هو الله أحد } {[59209]} السورة فلما تلا عليهم النبي عليه السلام ، قالوا : صف لنا ربك ، كيف هو خلقه ، وكيف هو عضده ، وكيف ذراعه ؟ فغضب النبي صلى الله عليه وسلم أشد من غضبه الأول ثم شاورهم {[59210]} . فأتاه جبريل صلى الله عليه وسلم {[59211]} فقال مثل مقالته ، وأتاه {[59212]} بجواب ما سألوه عنه : { وما قدروا الله حق قدره } – إلى – { يشركون } {[59213]} .

وقيل : معنى { والأرض جميعا قبضته يوم القيامة } ، أي : يملكها ، لا مدعي لملكها {[59214]} ذلك اليوم غيره ، كما تقول : هذا في قبضتي .

وقال المبرد : بيمينه : بقوته {[59215]} . وهذا {[59216]} القول هو {[59217]} قول علماء أهل السنة .

وذكر ابن وهب أن ناسا أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : يا رسول الله ، هاتان القبضتان ، فأخبرنا عن سائر العظمة .

قال : " فكروا في خلق ممن {[59218]} خلق الله عز وجل : إسرافيل {[59219]} ، رجلاه في التخوم السابعة ، والعرش على جمجمته . ما بين قدميه إلى ركبته مسيرة خمسين ألف سنة . وما بين عاتقه إلى رأسه مسيرة خمسين ألف سنة " {[59220]} .

ويروى أن إسرافيل {[59221]} مؤذن أهل السماء ، يؤذن لاثني عشرة ساعة من النهار ولاثنتي {[59222]} عشرة ساعة من الليل ، لكل ساعة تأذين يسمع تأذينه من في السماوات السبع ، ومن في الرضين السبع إلا الثقلان {[59223]} : الجن والإنس . ثم يتقدم بهم {[59224]} عظيم الملائكة فيصلي بهم . /

وذكر أن ميكائيل {[59225]} يوم الملائكة في البيت المعمور . هذا كله من حديث ابن وهب عن الليث عن رجاله .

وروى ابن عباس عن عائشة رضي الله عنها أنها {[59226]} سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن قوله : { والأرض جميعا قبضته يوم القيامة } قالت له : فأين الناس يومئذ ؟ قال : " على الصراط " {[59227]} .

وقال أبو أيوب الأنصاري {[59228]} : أتى النبي صلى الله عليه وسلم حَبْرٌ من أحبار {[59229]} اليهود فقال : " أرأيت إذ يقول الله عز وجل في كتابه : " { والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه } فأين الخلق عند ذلك ؟ قال : " هم {[59230]} كرقم في الكتاب " {[59231]} .

وروى أبو الجوزاء عن ابن عباس أنه قال : إن السماوات السبع والأرضين السبع وما بينهما في يد الله تبارك وتعالى كخردلة {[59232]} في يد أحدكم {[59233]} .

قال أبو محمد مؤلفة ( رحمه الله ) {[59234]} : ويجب على أهل الدين والفضل والفهم {[59235]} أن يجروا هذه الأحاديث التي فيها ذكر اليد والإصبع ونحوه على ما أتت ، وألا يعتقد في ذلك جارحة ( ولا تشبيه ، فليس كمثل ربنا ) {[59236]} شيء . ومن توهم في ذلك جارحة فقد شبه الله سبحانه وعدل عن الحق .

ثم قال : { سبحانه وتعالى عما يشركون } ، أي : تنزيها له وتبرية من السوء والشرك .


[59193]:(ع): لم يومن بالله.
[59194]:انظر: جامع البيان 24/17، وتفسير ابن كثير 4/63.
[59195]:لم أقف عليه في مجار أبي عبيدة 2/191.
[59196]:انظر معاني الزجاج 4/361، وجامع البيان 24/17، وجامع القرطبي 15/277، وتفسير ابن كثير 4/63.
[59197]:انظر: جامع البيان 24/17.
[59198]:(وغيره..ابن عباس) ساقط من ح.
[59199]:(ح): والأرضين.
[59200]:وقال بهذا أيضا السدي. انظر: جامع البيان 24/17.
[59201]:في طرة ح.
[59202]:ح: جوزت.
[59203]:(ح): وقضيها.
[59204]:انظر: جامع البيان 24/17.
[59205]:انظر: الدر المنثور 7/248.
[59206]:أخرجه ابن ماجة في كتاب الزهد 37 باب 33 ح 4275. وابن جرير الطبري في جامع البيان 24/17 عن عبد الله (ابن عمر بمعناه. وانظر: تفسير ابن كثير 4/63، والدر المنثور 7/247 حيث أضاف السيوطي تخريجه إلى سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن الشيخ وابن مردويه. عن ابن عمر بمعناه.
[59207]:أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب التوحيد باب: {وما قدروا الله حق قدره} ح 4811، وكتاب التوحيد باب: (لما خلقت بيدي) ح 7414، وأخرجه مسلم في صحيحه: كتاب صفات المنافقين وأحكامهم ح 19، والترمذي في أبواب التفسير، باب: ومن سورة الزمر ح 3291 ج 12/119 وقال حديث حسن صحيح. كلهم عن عبد الله بن مسعود بمعناه.
[59208]:(ح): فقال. ما في طرة (ح).
[59209]:الإخلاص: 1.
[59210]:(ح): (ساورهم). وهو تصحيف.
[59211]:(ح): عليه.
[59212]:(ح): فأتاه.
[59213]:أخرجه ابن جرير الطبري في جامع البيان عن سعيد 24/19. وانظره في المحرر الوجيز 14/102، ولباب النقول 191.
[59214]:(ح): يملكها.
[59215]:انظر: الكامل 1/110.
[59216]:في طرة (ح).
[59217]:ساقط من (ح).
[59218]:(ح): من.
[59219]:(ح): إسرافيل عليه السلام.
[59220]:قال ابن حجر في الكافي: (وروى شهر بن حوشب أن ابن عباس رفعه بهذا تعليقا وهو كتاب في العظمة لأبي الفتح) ح 336.
[59221]:(ح): إسرافيل عليه السلام.
[59222]:(ع): لاثنتي.
[59223]:(ح): الثقلين.
[59224]:(ح): لهم.
[59225]:(ح): ميكائيل عليه السلام.
[59226]:في طرة (ح).
[59227]:أخرجه الترمذي في أبواب التفسير، سورة إبراهيم ج 11/286 وقال: حديث حسن صحيح. وأخرجه الحاكم في مستدركه 2/352 وقال: حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي في التلخيص 2/352. وأخرجه ابن ماجه في الزهد 33 ح 4249، وأحمد 5/35 و 101 و134 و218 والدارمي 2/328 و329. كلهم عن عائشة بمعناه.
[59228]:هو خالد بن يزيد بن كليب أبو أيوب الأنصاري، من كبار الصحابة شهد المشاهد كلها. روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن ابن كعب، وروى عنه ابن عباس وأنس بن مالك. توفي سنة 50 هـ. وقيل 52 هـ. انظر: طبقات ابن سعد 3/484. وصفة الصفوة 4584 ت 40، والإصابة 1/405 ت 2163.
[59229]:ساقط من (ح).
[59230]:(ح): هم فيها.
[59231]:أخرجه ابن جرير الطبري في جامع البيان 24/19 عن عائشة بلفظ: كرقم الكتاب ولم أقف عليه عند غيره.
[59232]:(ح): خرذلة.
[59233]:انظر: جامع البيان 24/17، والدر المنثور 7/248.
[59234]:(ح): رضي الله عنه. وهذه العبارة كما هو ظاهر من كلام النساخ.
[59235]:ساقط من (ح).
[59236]:(ولا تشبيها، فليس كمثله شيء).