إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَمَا قَدَرُواْ ٱللَّهَ حَقَّ قَدۡرِهِۦ وَٱلۡأَرۡضُ جَمِيعٗا قَبۡضَتُهُۥ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ وَٱلسَّمَٰوَٰتُ مَطۡوِيَّـٰتُۢ بِيَمِينِهِۦۚ سُبۡحَٰنَهُۥ وَتَعَٰلَىٰ عَمَّا يُشۡرِكُونَ} (67)

{ وَمَا قَدَرُواْ الله حَقَّ قَدْرِهِ } ما قدرُوا عظمتَه تعالى في أنفسهم حقَّ عظمتِه حيثُ جعلُوا له شريكاً ووصفُوه بما لا يليقُ بشؤونِه الجليلةِ وقرئ بالتَّشديدِ { والأرض جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ القيامة والسماوات مطويات بِيَمِينِهِ } تنبيهٌ على غاية عظمتِه وكمالِ قُدرته وحقارةِ الأفعال العظامِ التي تتحيَّر فيها الأوهامِ بالنسبةِ إلى قدرته تعالى ودلالةٌ على أنَّ تخريبَ العالم أهونُ شيءٍ عليه على طريقةِ التَّمثيل والتَّخييلِ من غير اعتبارِ القبضةِ واليمينِ حقيقةً ولا مجازاً كقولِهم شابتْ لُمَّةُ اللَّيلِ{[696]} . والقبضةُ المَّرةُ من القبضِ أُطلقت بمعنى القبضةِ هي المقدارُ المقبوضُ بالكفِّ تسميةً بالمصدرِ أو بتقديرِ ذات قبضةٍ . وقرئ بالنَّصبِ على الظَّرفِ تشبيهاً للموقَّتِ بالمُبهمِ . وتأكيدُ الأرضِ بالجميع لأنَّ المرادَ بها الأرَضَون السَّبعُ أو جميعُ أبعاضِها الباديةِ والغائرة . وقرئ مطوياتٍ على أنَّها حالٌ والسَّمواتُ معطوفةٌ على الأرضُ منظومةٌ في حُكمِها . { سُبْحَانَهُ وتعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ } ما أبعدَ وما أعلى مَنْ هذه قدرتُه وعظمتُه عن إشراكِهم أو عمَّا يُشركونه من الشُّركاءِ .


[696]:شابت لمة الليل: اشتداد سواده وهو من اللّمى أي سواد الشفة.