معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{كُتِبَ عَلَيۡكُمۡ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ ٱلۡمَوۡتُ إِن تَرَكَ خَيۡرًا ٱلۡوَصِيَّةُ لِلۡوَٰلِدَيۡنِ وَٱلۡأَقۡرَبِينَ بِٱلۡمَعۡرُوفِۖ حَقًّا عَلَى ٱلۡمُتَّقِينَ} (180)

قوله تعالى : { كتب عليكم } . أي فرض عليكم .

قوله تعالى : { إذا حضر أحدكم الموت } . أي جاء أسباب الموت وآثاره من العلل والأمراض .

قوله تعالى : { إن ترك خيراً } . أي مالاً ، نظيره قوله تعالى : ( وما تنفقوا من خير ) .

قوله تعالى : { الوصية للوالدين والأقربين } . كانت الوصية فريضة في ابتداء الإسلام للوالدين والأقربين على من مات وله مال ثم نسخت بآية الميراث .

أخبرنا الإمام أبو علي الحسين بن محمد القاضي ، أخبرنا أبو طاهر محمد بن محمد بن مخمش الزيادي . أخبرنا أبو بكر محمد بن عمر بن حفص التاجر ، أخبرنا محمد بن أحمد بن الوليد أخبرنا الهيثم بن جميل ، أخبرنا حماد بن سلمة عن قتادة عن شهر بن حوشب عن عبد الرحمن بن غنم عن عمرو بن خارجة قال : كنت آخذاً بزمام ناقة النبي صلى الله عليه وسلم فقال : " إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه ولا وصية لوارث " . فذهب جماعة إلى أن وجوبها صار منسوخاً في حق الأقارب الذين يرثون ، وبقي وجوبها في حق الذين لا يرثون من الوالدين والأقارب ، وهو قول ابن عباس وطاووس ، وقتادة والحسن .

قال طاووس : من أوصى لقوم سماهم ذوي قرابته محتاجين انتزعت منهم وردت إلى ذوي قرابته .

وذهب الأكثرون إلى أن الوجوب صار منسوخاً في حق الكافة ، وهي مستحبة في حق الذين لا يرثون . أخبرنا أبو الحسن السرخسي ، أخبرنا طاهر ابن أحمد ، أخبرنا أبو إسحاق الهاشمي ، أخبرنا أبو مصعب ، عن مالك ، عن نافع ، عن ابن عمر ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ما من حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه يبيت ليلتين إلا وصيته مكتوبة عند رأسه " .

قوله تعالى : { بالمعروف } . يريد يوصي بالمعروف ، ولا يزيد على الثلث ولا يوصي للغني ويدع الفقير ، قال ابن مسعود : الوصية للأخل فالأخل أي الأحوج فالأحوج .

أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي ، أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسين الحيري ، أخبرنا أبو جعفر محمد بن علي بن رحيم الشيباني . أخبرنا أحمد بن حازم بن أبي غروة ، أخبرنا عبيد الله بن موسى و أبو نعيم عن سفيان الثوري ، عن سعيد ابن إبراهيم ، عن عامر بن سعيد ، عن سعد بن مالك قال : " جاءني النبي صلى الله عليه وسلم يعودني فقلت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أوصي بمالي كله ؟ قال لا قلت : فالشطر ؟ قال لا ، قلت : فالثلث ؟ قال : الثلث والثلث كثير . إنك إن تدع ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس بأيديهم " .

فقوله : يتكففون الناس ، أي يسألون الناس الصدقة بأكفهم .

وعن ابن أبي مليكة أن رجلاً قال لعائشة رضي الله عنها : إني أريد أن أوصي ، قالت : كم مالك ؟ قال : ثلاثة آلاف . قالت كم عيالك ؟ قال : أربعة ، قالت : إنما قال الله ( إن ترك خيراً ) وإن هذا شيء يسير فاتركه لعيالك . وقال علي رضي الله عنه : لأن أوصي بالخمس أحب إلي من أن أوصي بالربع ولأن أوصي بالربع أحب إلي من أن أوصي بالثلث ، فمن أوصى بالثلث فلم يترك .

وقال الحسن البصري رضي الله عنه يوصي بالسدس ، أو الخمس أو الربع ، وقال الشعبي إنما كانوا يوصون بالخمس أو الربع .

قوله تعالى : { حقاً } . نصب على المصدر ، وقيل على المفعول أي جعل الوصية حقاً .

قوله تعالى : { على المتقين } . المؤمنين .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{كُتِبَ عَلَيۡكُمۡ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ ٱلۡمَوۡتُ إِن تَرَكَ خَيۡرًا ٱلۡوَصِيَّةُ لِلۡوَٰلِدَيۡنِ وَٱلۡأَقۡرَبِينَ بِٱلۡمَعۡرُوفِۖ حَقًّا عَلَى ٱلۡمُتَّقِينَ} (180)

{ كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت } أي حضرت أسبابه وظهرت أماراته . { إن ترك خيرا } أي مالا . وقيل مالا كثيرا ، لما روي عن علي رضي الله تعالى عنه : أن مولى له أراد أن يوصي وله سبعمائة درهم ، فمنعه وقال : قال الله تعالى { إن ترك خيرا } والخير هو المال الكثير . وعن عائشة رضي الله تعالى عنها : أن رجلا أراد أن يوصي فسألته كم مالك ، فقال : ثلاثة آلاف ، فقالت : كم عيالك قال : أربعة ، قالت : إنما قال الله تعالى { إن ترك خيرا } وأن هذا لشيء يسير فاتركه لعيالك . { الوصية للوالدين والأقربين } مرفوع بكتب ، وتذكير فعلها للفصل ، أو على تأويل أن يوصي ، أو الإيصاء ولذلك ذكر الراجع في قوله : { فمن بدله } . والعامل في إذا مدلول كتب لا الوصية لتقدمه عليها . وقيل مبتدأ خبره { للوالدين } ، والجملة جواب الشرط بإضمار الفاء كقوله :

من يفعل الحسنات الله يشكرها *** والشر بالشر عند الله مثلان

ورد بأنه إن صح فمن ضرورات الشعر . وكان هذا الحكم في بدء الإسلام فنسخ بآية المواريث وبقوله عليه الصلاة والسلام " إن الله أعطى كل ذي حق حقه ، ألا لا وصية لوارث " . وفيه نظر : لأن آية المواريث لا تعارضه بل تؤكده حيث إنها تدل على تقديم الوصية مطلقا ، والحديث من الآحاد ، وتلقي الأمة له بالقبول لا يحلقه بالمتواتر . ولعله احترز عنه من فسر الوصية بما أوصى به الله من توريث الوالدين والأقربين بقوله { يوصيكم الله } أو بإيصاء المحتضر لهم بتوفير ما أوصى به الله عليهم { بالمعروف } بالعدل ، فلا يفضل الغني ، ولا يتجاوز الثلث . { حقا على المتقين } مصدر مؤكد أي حق ذلك حقا .