قوله عز وجل : { كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ } أي فرض عليكم ، وقوله : { إِذَا حَضَرَ } ليس يريد به ذكر الوصية عند حلول الموت ، لأنه في شغل عنه ، ولكن تكون العطية بما تقدم من الوصية عند حضور الموت . ثم قال تعالى : { إِن تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ } ، والخير : المال في قول الجميع ، قال مجاهد : الخير في القرآن كله المال .
{ إِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ }{[258]} أي المال .
{ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَن ذِكْرِ رَبَّي }{[259]}
{ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهمِْ خَيْراً }{[260]} وقال شعيب :
{ إِنِّي أرَاكُم بِخَيْرٍ }{[261]} يعني الغنى والمال .
واختلف أهل العلم في ثبوت حكم هذه الآية ، فذهب الجمهور من التابعين والفقهاء إلى أن العمل{[262]} بها كان واجباً قبل فرض المواريث لئلا يضع الرجل ماله في البُعَدَاء طلباً للسمعة والرياء ، فلما نزلت آية المواريث في تعيين المستحقين وتقدير ما يستحقون ، نسخ بها وجوب الوصية ومنعت السنّة من جوازها للورثة ، وقال آخرون : كان حكمها ثابتاً في الوصية للوالدين ، والأقربين حق واجب ، فلما نزلت آي المواريث وفرض ميراث الأبوين نسخ بها الوصية للوالدين وكل وارث ، وبقي فرض الوصية للأقربين الذين لا يرثون على حالة ، وهذا قول الحسن ، وقتادة ، وطاوس ، وجابر بن زيد .
فإن أوصى بثُلُثهِ لغير قرابته ، فقد اختلف قائلو هذا القول في حكم وصيته على ثلاثة مذاهب :
أحدها : أن يرد ثلث الثلث على قرابته ويكون ثلثا الثلث لمن أوصى له به ، وهذا قول قتادة .
والثاني : أن يرد ثلثا الثلث على قرابته ويكون ثلث الثلث لمن أوصى له به ، وهذا قول جابر بن زيد .
والثالث : أنه يريد الثلث كله على قرابته ، وهذا قول طاوس .
واختلف في قدر المال الذي يجب عليه أن يوصي منه على ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنه ألف درهم ، تأويلاً لقوله تعالى : { إِن تَرَكَ خَيْراً } أن الخير ألف درهم وهذا قول عليّ .
والثاني : من ألف درهم إلى خمسمائة درهم ، وهذا قول إبراهيم النخعي .
والثالث : أنه غير مقدر وأن الوصية تجب في قليل المال وكثيره ، وهذا قول الزهري .
ثم قال تعالى : { بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ } يحتمل قوله بالمعروف وجهين :
أحدهما : بالعدل الوسط الذي لا بخس فيه ولا شطط .
والثاني : يعني بالمعروف من ماله دون المجهول .
وقوله تعالى : { حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ } يعني بالتقوى من الورثة أن لا يسرف ، والأقربين أن لا يبخل ، قال ابن مسعود : الأجل فالأجل{[263]} ، يعني الأحوج فالأحوج . وغاية ما لا سرف فيه : الثلث ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم " الثلث والثلث كثير " .
وروى الحسن أن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما وصّياً بالخمس وقالا : يوصي بما رضي الله لنفسه : بالخمس ، وكان يقول : الخمس معروف ، والربع جهد ، والثلث غاية ما تجيزه القضاة{[264]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.