النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{كُتِبَ عَلَيۡكُمۡ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ ٱلۡمَوۡتُ إِن تَرَكَ خَيۡرًا ٱلۡوَصِيَّةُ لِلۡوَٰلِدَيۡنِ وَٱلۡأَقۡرَبِينَ بِٱلۡمَعۡرُوفِۖ حَقًّا عَلَى ٱلۡمُتَّقِينَ} (180)

قوله عز وجل : { كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ } أي فرض عليكم ، وقوله : { إِذَا حَضَرَ } ليس يريد به ذكر الوصية عند حلول الموت ، لأنه في شغل عنه ، ولكن تكون العطية بما تقدم من الوصية عند حضور الموت . ثم قال تعالى : { إِن تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ } ، والخير : المال في قول الجميع ، قال مجاهد : الخير في القرآن كله المال .

{ إِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ }{[258]} أي المال .

{ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَن ذِكْرِ رَبَّي }{[259]}

{ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهمِْ خَيْراً }{[260]} وقال شعيب :

{ إِنِّي أرَاكُم بِخَيْرٍ }{[261]} يعني الغنى والمال .

واختلف أهل العلم في ثبوت حكم هذه الآية ، فذهب الجمهور من التابعين والفقهاء إلى أن العمل{[262]} بها كان واجباً قبل فرض المواريث لئلا يضع الرجل ماله في البُعَدَاء طلباً للسمعة والرياء ، فلما نزلت آية المواريث في تعيين المستحقين وتقدير ما يستحقون ، نسخ بها وجوب الوصية ومنعت السنّة من جوازها للورثة ، وقال آخرون : كان حكمها ثابتاً في الوصية للوالدين ، والأقربين حق واجب ، فلما نزلت آي المواريث وفرض ميراث الأبوين نسخ بها الوصية للوالدين وكل وارث ، وبقي فرض الوصية للأقربين الذين لا يرثون على حالة ، وهذا قول الحسن ، وقتادة ، وطاوس ، وجابر بن زيد .

فإن أوصى بثُلُثهِ لغير قرابته ، فقد اختلف قائلو هذا القول في حكم وصيته على ثلاثة مذاهب :

أحدها : أن يرد ثلث الثلث على قرابته ويكون ثلثا الثلث لمن أوصى له به ، وهذا قول قتادة .

والثاني : أن يرد ثلثا الثلث على قرابته ويكون ثلث الثلث لمن أوصى له به ، وهذا قول جابر بن زيد .

والثالث : أنه يريد الثلث كله على قرابته ، وهذا قول طاوس .

واختلف في قدر المال الذي يجب عليه أن يوصي منه على ثلاثة أقاويل :

أحدها : أنه ألف درهم ، تأويلاً لقوله تعالى : { إِن تَرَكَ خَيْراً } أن الخير ألف درهم وهذا قول عليّ .

والثاني : من ألف درهم إلى خمسمائة درهم ، وهذا قول إبراهيم النخعي .

والثالث : أنه غير مقدر وأن الوصية تجب في قليل المال وكثيره ، وهذا قول الزهري .

ثم قال تعالى : { بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ } يحتمل قوله بالمعروف وجهين :

أحدهما : بالعدل الوسط الذي لا بخس فيه ولا شطط .

والثاني : يعني بالمعروف من ماله دون المجهول .

وقوله تعالى : { حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ } يعني بالتقوى من الورثة أن لا يسرف ، والأقربين أن لا يبخل ، قال ابن مسعود : الأجل فالأجل{[263]} ، يعني الأحوج فالأحوج . وغاية ما لا سرف فيه : الثلث ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم " الثلث والثلث كثير " .

وروى الحسن أن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما وصّياً بالخمس وقالا : يوصي بما رضي الله لنفسه : بالخمس ، وكان يقول : الخمس معروف ، والربع جهد ، والثلث غاية ما تجيزه القضاة{[264]} .


[258]:- الآية 8 سورة العاديات.
[259]:- الآية 32 سورة ص.
[260]:-الآية 23 النور.
[261]:- الآية 84 سورة هود
[262]:- العمل: في ك "العلم" وهو تحريف.
[263]:- الأجل: يقال أجل الرجل أجلا أي ضعف. ويكون بمعنى قوي أيضا فهو من الضد.
[264]:- ساقط من ك.