الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{كُتِبَ عَلَيۡكُمۡ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ ٱلۡمَوۡتُ إِن تَرَكَ خَيۡرًا ٱلۡوَصِيَّةُ لِلۡوَٰلِدَيۡنِ وَٱلۡأَقۡرَبِينَ بِٱلۡمَعۡرُوفِۖ حَقًّا عَلَى ٱلۡمُتَّقِينَ} (180)

{ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الموت } إذا دنا منه وظهرت أماراته { خَيْر } مالاً كثيراً . عن عائشة رضي الله عنها : أنّ رجلاً أراد الوصية وله عيال وأربعمائة دينار ، فقالت : ما أرى فيه فضلاً . وأراد آخر أن يوصي فسألته : كم مالك ؟ فقال : ثلاثة آلاف . قالت : كم عيالك ؟ قال : أربعة . قالت : إنما قال الله { إِن تَرَكَ خَيْرًا } وإنّ هذا الشيء يسير فاتركه لعيالك ، وعن عليّ رضي الله عنه : أنّ مولى له أراد أن يوصي وله سبعمائة فمنعه . وقال : قال الله تعالى : { إِن تَرَكَ خَيْرًا } والخير هو المال ، وليس لك مال . والوصية فاعل كتب ، وذكر فعلها للفاصل ، ولأنها بمعنى أن يوصى ، ولذلك ذكر الراجع في قوله :{ فَمَن بَدَّلَهُ بَعْدَمَا مَا سَمِعَهُ } والوصية للوارث كانت في بدء الإسلام فنسخت بآية المواريث ، وبقوله عليه السلام : « إنّ الله أعطى كلّ ذي حق حقه ألا لا وصية لوارث » وبتلقي الأمّة إياه بالقبول حتى لحق بالمتواتر وإن كان من الآحاد ، لأنهم لا يتلقون بالقبول إلا الثبت الذي صحت روايته . وقيل : لم تنسخ ، والوارث يجمع له بين الوصية والميراث بحكم الآيتين . وقيل : ما هي بمخالفة لآية المواريث . ومعناها : كتب عليكم ما أوصى به الله من توريث الوالدين والأقربين من قوله تعالى : { يُوصِيكُمُ الله فِى أولادكم } [ النساء : 11 ] أو كتب على المحتضر أن يوصي للوالدين والأقربين بتوفير ما أوصى به الله لهم عليهم ، وأن لا ينقص من أنصبائهم { بالمعروف } بالعدل ، وهو أن لا يوصي للغني ويدع الفقير ولا يتجاوز الثلث { حَقّاً } مصدر مؤكد ، أي حق ذلك حقاً .