السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{كُتِبَ عَلَيۡكُمۡ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ ٱلۡمَوۡتُ إِن تَرَكَ خَيۡرًا ٱلۡوَصِيَّةُ لِلۡوَٰلِدَيۡنِ وَٱلۡأَقۡرَبِينَ بِٱلۡمَعۡرُوفِۖ حَقًّا عَلَى ٱلۡمُتَّقِينَ} (180)

{ كتب } أي : فرض { عليكم إذا حضر أحدكم الموت } أي : حضرت أسبابه وظهرت أماراته { إن ترك خيراً } أي : مالاً نظيره قوله تعالى : { وما تنفقوا من خير } ( البقرة ، 272 ) وقيل : مالاً كثيراً لما روي عن عائشة رضي الله تعالى عنها أنّ رجلاً أراد الوصية فسألته : كم مالك ؟ فقال : ثلاثة آلاف ، فقالت : كم عيالك ؟ قال : أربعة قالت : إنما قال الله تعالى إن ترك خيراً ، وإن هذا الشيء يسير فاتركه لعيالك .

وعن عليّ رضي الله تعالى عنه أنّ مولى له أراد أن يوصي وله سبعمائة درهم فمنعه وقال : قال الله تعالى : { إن ترك خيراً } والخير هو المال الكثير وقوله تعالى : { الوصية } مرفوع بكتب . وذكر فعلها للفاصل . ولأنها بمعنى أن يوصي ولذلك ذكر الراجع في قوله : فمن بدّله بعدما سمعه ، والعامل في إذا مدلول كتب لا الوصية لتقدّمه عليها ، وجواب أنّ أي : فليوص { للوالدين والأقربين بالمعروف } بالعدل فلا يفضل الغني ولا يتجاوز الثلث لما روي عن سعيد بن مالك رضي الله تعالى عنه قال : ( جاءني النبيّ صلى الله عليه وسلم يعودني فقلت : يا رسول الله أوصي بمالي كله قال : لا قلت : فالشطر قال : لا قلت : فالثلث قال : الثلث والثلث كثير إنك إن تدع ورثتك أغنياء خير لك من أن تدعهم عالة يتكففون الناس بأيديهم ) أي : يسألون الناس الصدقة بأكفهم ، وقوله تعالى : { حقاً } مصدر . قال البيضاويّ تبعاً للزمخشريّ وغيره مؤكد لمضمون الجملة قبله أي :حق ذلك حقاً ، وردّه أبو حيان بأنّ قوله تعالى على المتقين متعلق بحقاً أو صفة له ، وكل منهما يخرجه عن التأكيد ، أما الأوّل فلأن المصدر المؤكد لا يعمل إنما يعمل المصدر الذي ينحل إلى حرف مصدري ، والفعل أو المصدر الذي هو بدل من اللفظ بالفعل ، وأمّا الثاني فلأنّ حقاً مصدر مخصص بالصفة فلا يكون مؤكداً . وقيل : حقاً نعت لمصدر كتب أوأوصى ، أي : كتباً أو إيصاء حقاً ، وقيل : حال من مصدر أحدهما معرّفاً ، وقيل : نصب على المفعولية ، أي : جعل الوصية حقاً { على المتقين } الله وهذا منسوخ بآية المواريث وبقوله : صلى الله عليه وسلم ( إن الله أعطى كل ذي حق حقه ألا لا وصية لوارث ) بناءً على الأصح من أن الكتاب ينسخ بالسنة وإن لم تتواتر ، وبذلك ظهر ما في قول بعضهم : إنّ الكتاب لا ينسخ بالسنة وإن الحديث من الآحاد .