معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{ءَاتُونِي زُبَرَ ٱلۡحَدِيدِۖ حَتَّىٰٓ إِذَا سَاوَىٰ بَيۡنَ ٱلصَّدَفَيۡنِ قَالَ ٱنفُخُواْۖ حَتَّىٰٓ إِذَا جَعَلَهُۥ نَارٗا قَالَ ءَاتُونِيٓ أُفۡرِغۡ عَلَيۡهِ قِطۡرٗا} (96)

قوله تعالى : { آتوني } : أعطوني ، وقرأ أبو بكر : ائتوني أي : جيئوني ، { زبر الحديد } ، أي قطع الحديد ، واحدتهما زبرة ، فأتوه بها وبالحطب ، وجعل بعضها على بعض ، فلم يزل يجعل الحديد على الحطب والحطب على الحديد ، { حتى إذا ساوى بين الصدفين } ، قرأ ابن كثير ، وابن عامر ، وأبو عمرو ، ويعقوب : بضم الصاد والدال ، وجزم أبو بكر الدال ، وقرأ الآخرون بفتحها ، وهما الجبلان ، ساوى : أي : سوى بين طرفي الجبلين . { قال انفخوا } ، وفي القصة : أنه جعل الفحم والحطب في خلال زبر الحديد ، ثم قال : انفخوا ، يعني : في النار . { حتى إذا جعله ناراً } ، أي : صار الحديد ناراً ، { قال آتوني } ، قرأ حمزة وأبو بكر وصلاً ، وقرأ الآخرون بقطع الألف . { أفرغ عليه قطراً } ، أي : آتوني قطراً أفرغ عليه ، والإفراغ : الصب ، والقطر : هو النحاس المذاب ، فجعلت النار تأكل الحطب ، ويصير النحاس مكان الحطب حتى لزم الحديد النحاس . قال قتادة : هو كالبر والبحر ، طريقة سوداء وطريقة حمراء . وفي القصة : أن عرضه كان خمسين ذراعاً وارتفاعه مائتي ذراع وطوله فرسخ .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{ءَاتُونِي زُبَرَ ٱلۡحَدِيدِۖ حَتَّىٰٓ إِذَا سَاوَىٰ بَيۡنَ ٱلصَّدَفَيۡنِ قَالَ ٱنفُخُواْۖ حَتَّىٰٓ إِذَا جَعَلَهُۥ نَارٗا قَالَ ءَاتُونِيٓ أُفۡرِغۡ عَلَيۡهِ قِطۡرٗا} (96)

{ آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ } والزبر : جمع زُبْرَة ، وهي القطعة منه ، قاله ابن عباس ، ومجاهد ، وقتادة . وهي كاللبنة{[18499]} ، يقال : كل لبنة [ زنة ]{[18500]} قنطار بالدمشقي ، أو تزيد عليه .

{ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ } أي : وضع بعضه على بعض من الأساس حتى إذا حاذى به رءوس الجبلين طولا وعرضًا . واختلفوا في مساحة عرضه وطوله على أقوال . { قَالَ انْفُخُوا } أي : أجج{[18501]} عليه النار حتى صار كله نارًا ، { قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا } قال ابن عباس ، ومجاهد ، وعكرمة ، والضحاك ، وقتادة ، والسُّدي : هو النحاس . وزاد بعضهم : المذاب . ويستشهد بقوله تعالى : { وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ } [ سبأ : 12 ] ولهذا يشبه{[18502]} بالبرد المحبر .

/خ96


[18499]:في أ: "اللبنة".
[18500]:زيادة من ف، أ.
[18501]:في ف: "أججوا".
[18502]:في أ: "شبه".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{ءَاتُونِي زُبَرَ ٱلۡحَدِيدِۖ حَتَّىٰٓ إِذَا سَاوَىٰ بَيۡنَ ٱلصَّدَفَيۡنِ قَالَ ٱنفُخُواْۖ حَتَّىٰٓ إِذَا جَعَلَهُۥ نَارٗا قَالَ ءَاتُونِيٓ أُفۡرِغۡ عَلَيۡهِ قِطۡرٗا} (96)

القول في تأويل قوله تعالى : { آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتّىَ إِذَا سَاوَىَ بَيْنَ الصّدَفَيْنِ قَالَ انفُخُواْ حَتّىَ إِذَا جَعَلَهُ نَاراً قَالَ آتُونِيَ أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً * فَمَا اسْطَاعُوَاْ أَن يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُواْ لَهُ نَقْباً } .

يقول عزّ ذكره : قال ذو القرنين للذين سألوه أن يجعل بينهم وبين يأجوج ومأجوج سدّا آتونِي أي جيئوني بِزُبَر الحديد ، وهي جمع زُبْرة ، والزّبْرة : القطعة من الحديد . كما :

حدثني عليّ ، قال : حدثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : زُبَرَ الحَدِيدِ يقول : قطع الحديد .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : آتُونِي زُبَرَ الحَدِيدِ قال : قطع الحديد .

حدثني إسماعيل بن سيف ، قال : حدثنا عليّ بن مسهر ، عن إسماعيل ، عن أبي صالح ، قوله : زُبَرَ الحَدِيدِ قال : قطع الحديد .

حدثني محمد بن عمارة الأسديّ ، قال : حدثنا عبيد الله بن موسى ، قال : أخبرنا إسرائيل ، عن أبي يحيى عن مجاهد ، قوله : آتُونِي زُبَرَ الحَدِيدِ قال : قطع الحديد .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة آتُونِي زُبَرُ الحَدِيدِ : أي فَلَق الحديث .

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، في قوله : آتُونِي زُبَرُ الحَدِيدِ قال : قطع الحديد .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قال ابن عباس : آتُونِي زُبَرَ الحَدِيدِ قال : قطع الحديد .

وقوله : حتى إذَا ساوَى بينَ الصّدفَيْنِ يقول عزّ ذكره : فآتُوهُ زُبَر الحديد ، فجعلها بين الصدفين حتى إذا ساوى بين الجبلين بما جعل بينهما من زُبر الحديد ، ويقال : سوّى . والصدفان : ما بين ناحيتي الجبلين ورؤوسهما ومنه قوله الراجز :

قدْ أخَذَتْ ما بينَ عَرْضِ الصّدُفَيْنِ *** ناحِيَتَيْها وأعالي الرّكْنَيْنِ

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني عليّ ، قال : حدثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله بينَ الصّدَفَيْنِ يقول : بين الجبلين .

حدثني محمد ، بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : حتى إذَا بَلَغَ بينَ السّدّيْنِ قال : هو سدّ كان بين صَدَفين ، والصدفان : الجبلان .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى «ح » وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : الصّدَفَيْنِ رؤوس الجبلين .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .

حُدثت عن الحسين بن الفرج ، قال : سمعت أبا مُعاذ يقول : حدثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : بينَ الصّدَفَيْنِ يعني الجبلين ، وهما من قبل أرمينية وأذربيجان .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة حتى إذَا ساوَى بينَ الصّدَفَيْنِ وهما الجبلان .

حدثني أحمد بن يوسف ، قال : أخبرنا القاسم ، قال : حدثنا هشيم ، عن مغيرة ، عن إبراهيم أنه قرأها : بينَ الصّدَفَيْنِ منصوبة الصاد والدال ، وقال : بين الجبلين ، وللعرب في الصدفين : لغات ثلاث ، وقد قرأ بكلّ واحدة منها جماعة من القراء : الفتح في الصاد والدال ، وذلك قراءة عامة قرّاء أهل المدينة والكوفة والضمّ فيهما ، وهي قراءة أهل البصرة والضم في الصاد وتسكين الدال ، وذلك قراءة بعض أهل مكة والكوفة . والفتح في الصاد والدال أشهر هذه اللغات ، والقراءة بها أعجب إليّ ، وإن كنت مستجيزا القراءة بجميعها ، لاتفاق معانيها . وإنما اخترت الفتح فيهما لما ذكرت من العلة .

وقوله : قالَ انْفُخُوا يقول عزّ ذكره ، قال للفعلة : انفخوا النار على هذه الزّبر من الحديد .

وقوله : حتى إذَا جَعَلَهُ نارا وفي الكلام متروك ، وهو فنفخوا ، حتى إذا جعل ما بين الصدفين من الحديد نارا قالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قَطْرا فاختلفت القرّاء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قرّاء المدينة والبصرة ، وبعض أهل الكوفة : قالَ آتُونِي بمدّ الألف من آتُونِي بمعنى : أعطوني قطرا أفرغ عليه . وقرأه بعض قرّاء الكوفة ، قال : «ائْتُونِي » بوصل الألف ، بمعنى : جيئوني قِطْرا أفرغ عليه ، كما عليه : أخذت الخطام ، وأخذت بالخطام ، وجئتك زيدا ، وجئتك بزبر . وقد يتوجه معنى ذلك إذا قرىء كذلك إلى معنى أعطوني ، فيكون كأنه قارئه أراد مدّ الألف من آتوني ، فترك الهمزة الأولى من آتوني ، وإذا سقطت الأولى همز الثانية . )

وقوله : أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرا يقول : أصبّ عليه قطرا ، والقِطْر : النّحاس . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرا قال : القِطر : النحاس .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، مثله .

حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا مُعاذ يقول : حدثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرا : يعني النحاس .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرا أي النحاس ليلزمه به .

حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، في قوله أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرا قال : نحاسا .

وكان بعض أهل العلم بكلام العرب من أهل البصرة يقول : القِطر : الحديد المذاب ، ويستشهد لقوله ذلك بقول الشاعر :

حُساما كَلَوْنِ المِلْحِ صَافٍ حَديدُه *** جُزَارا مِنَ اقْطارِ الحَديدِ المُنَعّتِ

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{ءَاتُونِي زُبَرَ ٱلۡحَدِيدِۖ حَتَّىٰٓ إِذَا سَاوَىٰ بَيۡنَ ٱلصَّدَفَيۡنِ قَالَ ٱنفُخُواْۖ حَتَّىٰٓ إِذَا جَعَلَهُۥ نَارٗا قَالَ ءَاتُونِيٓ أُفۡرِغۡ عَلَيۡهِ قِطۡرٗا} (96)

قرأ عاصم{[7897]} وحمزة «ايتوني » بمعنى جيئوني ، وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر والكسائي «آتوني » بمعنى أعطوني ، وهذا كله إنما هو استدعاء إلى المناولة ، لا استدعاء العطية والهبة ، لأنه قد ارتبط من قوله إنه لا يأخذ منهم الخرج ، فلم يبق الاستدعاء المناولة ، وإعمال القوة ، و «ايتوني » : أشبه بقوله : فأعينوني بقوة ، ونصب «الزبر » به على نحو قول الشاعر : أمرتك الخير{[7898]} ، حذف الجار فنصب الفعل وقرأ الجمهور «زبَر » بفتح الباء ، وقرأ الحسن بضمها ، وكل ذلك جمع زبرة ، وهي القطعة العظيمة منه ، والمعنى : فرصفه وبناه ، حتى إذا ساوى بين الصدفين ، فاختصر ذلك لدلالة الظاهر عليه ، وقرأ الجمهور «ساوى » وقرأ قتادة «سوى » ، و «الصدفان » : الجبلان المتناوحان{[7899]} ، ولا يقال للواحد صدف وإنما يقال صدفان لاثنين لأن أحدهما يصادف الآخر ، وقرأ نافع وحمزة والكسائي «الصَّدَفين » بفتح الصاد وشدها وفتح الدال ، وهي قراءة عمر بن الخطاب وعمر بن عبد العزيز{[7900]} ، وقرأ ابن كثير وابن عامر وأبو عمرو «الصُّدفين » بضم الصاد والدال ، وهي قراءة مجاهد والحسن ، وقرأ عاصم في رواية أبي بكر بضم الصاد وسكون الدال ، وهي قراءة أبي رجاء وأبي عبد الرحمن وقرأ الماجشون «بفتح الصاد وضم الدال ، وقراءة قتادة » بين الصَّدْفين « ، بفتح الصاد وسكون الدال ، وكل ذلك بمعنى واحد : هما الجبلان المتناوحان ، وقيل » الصدفان « : السطحان الأعليان من الجبلين ، وهذا نحو من الأول ، وقوله { قال انفخوا } إلى آخر الآية معناه أنه كان يأمر بوضع طاقة من الزبر والحجارة ، ثم يوقد عليها ، حتى تحمى ، ثم يؤتى بالنحاس المذاب أو الرصاص أو بالحديد ، بحسب الخلاف في القطر ، فيفرغه ، على تلك الطاقة المنضدة ، فإذا التأم واشتد استأنف وصف طاقة أخرى ، إلى أن استوى العمل ، وقرأ بعض الصحابة : » بقطر أفرغ عليه « ، وقال أكثر المفسرين : » القطر « : النحاس المذاب ، ويؤيد هذا ما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم » جاءه رجل فقال : يا رسول الله ، إني رأيت سد يأجوج ومأجوج ، قال كيف رأيته ؟ قال رأيته كالبرد المحبر : طريقة صفراء ، وطريقة حمراء ، وطريقة سوداء . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قد رأيته{[7901]} « ، وقالت فرقة » القطر « : الرصاص المذاب ، وقالت فرقة الحديد المذاب ، وهو مشتق من قطر يقطر .


[7897]:أي: في رواية أبي بكر، أما قراءة حفص عن عاصم فهي: [آتوني].
[7898]:هذا جزء في صدر بيت قاله عمرو بن معديكرب الزبيدي، والبيت بتمامه: أمرتك الخير فافعل ما أمرت به فقد تركتك ذا مال وذا نشب هذا، وقد قيل إن البيت للعباس بن مرداس، وقيل: لزرعة بن السائب، وقيل: لخفاف ابن ندبة، وروي في شعر لأعشى طرود. والنشب: المال الثابت كالضياع ونحوها، والمال: الإبل والغنم، أو المال عام في كل ما يمتلك. والشاهد في (أمرتك الخير)، أصله: أمرتك بالخير، فحذف حرف الجر وتعدى الفعل إلى المفعول الثاني، ومثله في ذلك قول الشاعر: أستغفر الله ذنبا لست محصية رب العباد إليه الوجه والعمل
[7899]:أي: المتقابلان.
[7900]:وبها قرأ عاصم في رواية حفص.
[7901]:أخرجه ابن جرير، وابن مردويه، عن أبي بكرة النسفي رضي الله عنه.
 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{ءَاتُونِي زُبَرَ ٱلۡحَدِيدِۖ حَتَّىٰٓ إِذَا سَاوَىٰ بَيۡنَ ٱلصَّدَفَيۡنِ قَالَ ٱنفُخُواْۖ حَتَّىٰٓ إِذَا جَعَلَهُۥ نَارٗا قَالَ ءَاتُونِيٓ أُفۡرِغۡ عَلَيۡهِ قِطۡرٗا} (96)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{ءاتوني زبر الحديد}، يعني: قطع الحديد،

{حتى إذا ساوى بين الصدفين}، يعني: حشى بين الجبلين بالحديد، والصدفين: الجبلين... {قال انفخوا} على الحديد،

{حتى إذا جعله نارا قال ءاتوني أفرغ عليه قطرا}، قال: أعطوني الصفر المذاب أصبه عليه ليلحمه فيكون أشد له...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول عزّ ذكره: قال ذو القرنين للذين سألوه أن يجعل بينهم وبين يأجوج ومأجوج سدّا "آتونِي "أي جيئوني بِزُبَر الحديد، وهي جمع زُبْرة، والزّبْرة: القطعة من الحديد...

وقوله: "حتى إذَا ساوَى بينَ الصّدفَيْنِ" يقول عزّ ذكره: فآتوهُ زُبَر الحديد، فجعلها بين الصدفين حتى إذا ساوى بين الجبلين بما جعل بينهما من زُبر الحديد، ويقال: سوّى. والصدفان: ما بين ناحيتي الجبلين ورؤوسهما... وقوله: "قالَ انْفُخُوا" يقول عزّ ذكره، قال للفعلة: انفخوا النار على هذه الزّبر من الحديد.

وقوله: "حتى إذَا جَعَلَهُ نارا" وفي الكلام متروك، وهو: فنفخوا، حتى إذا جعل ما بين الصدفين من الحديد نارا "قالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قَطْرا"...

وقوله: "أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرا" يقول: أصبّ عليه قطرا، والقِطْر: النّحاس... عن قتادة "أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرا" أي النحاس ليلزمه به...

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

ذُكر أنه كان يبسط الحديد صدرا، ثم يبسط الحطب فوقه صدرا، ثم حديدا فوق الحطب حتى بلغ رأس الجبلين، وسوى بينهما على هذا السبيل. ثم أذيب القطر، فَصُبَّ فيه، فجعل القطر يحرق الحطب، ويذيب الحديد حتى دخل القطر مكان الحطب، وصار مكانه، فالتزق القطر بالحديد. على هذا ذُكر أنه بنى ذلك السد. وقال الحسن: كان القطر له كالملاط لنا، والله أعلم.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

{ءاتوني} بفتح الهمزة بعدها ساكنة، ومدها على قراءة الجماعة أي أعطوني وبهمزة وصل، وهمزة بعدها ساكنة أي جيئوني وتعالوا إليّ فقد أجبتكم إلى سؤالكم، ثم ابتدأ مغرياً على هذه القراءة فقال: {زبر الحديد} أي عليكم به فأحضروا إليّ قطعة، فأتوه بذلك فردم ما فوق الأساس بعضه على بعض صفاً من الحديد وصفاً من الحطب، قال البغوي: فلم يزل يجعل قطع الحديد على الحطب والحطب على الحديد. {حتى إذا ساوى} أي بذلك البناء {بين الصدفين} أي أعلى منقطع الجبلين الموصوفين، سميا لتصادفهما -أي تقابلهما وتقاربهما- بالبناء على تلك الحالة عرضاً وطولاً، وقراءة من فتح الصاد والدال -وهم نافع وحمزة والكسائي وحفص عن عاصم- دالة على أن تقابلهما في غاية الاستقامة، فكأنهما جدار فتح فيه باب، وقراءة ابن كثير وأبي عمرو وابن عامر بضمهما دالة على أنه مع ذلك في غاية القوة حتى أن أعلاه وأسفله سواء، وقراءة شعبة عن عاصم بالضم وإسكان الدال على أشد ثبات وأتقنه في كل منهما، فلا ينتخر شيء منهما على طول الزمان بريح ولا غيرها من فساد في أحد الجانبين برخاوة من سياخ أو غيره {قال} أي للصناع: {انفخوا} في الأكوار فنفخوا فأضرم فيه النار، واستمر كذلك {حتى إذا جعله} أي كله {ناراً قال} للقوم: {ءاتوني} بالنحاس {أفرغ عليه} أي الحديد المحمى {قطراً} منه بعد إذابته، فإن القطر: النحاس الذائب،... ففعلوا ذلك فاختلط والتصق بعضه ببعض وصار جبلاً صلداً.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

وقد استخدمت هذه الطريقة حديثا في تقوية الحديد؛ فوجد أن إضافة نسبة من النحاس إليه تضاعف مقاومته وصلابته. وكان هذا الذي هدى الله إليه ذا القرنين، وسجله في كتابه الخالد سبقا للعلم البشري الحديث بقرون لا يعلم عددها إلا الله...

تفسير الشعراوي 1419 هـ :

لم يكن ذو القرنين رَجُلاً رَحّالةً، يَسير هكذا بمُفرَده، بل مَكَّنَه اللهُ من أسباب كل شيءٍ، ومعنى ذلك أنه لم يكن وحده، بل معه جيشٌ وقوةٌ وعددٌ وآلاتٌ، معه رجالٌ وعُمّالٌ، معه القُوتُ ولوازمُ الرِّحلة، وكان بمَقْدورِه أن يأمُر رجالَه بعملِ هذا السّدِّ، لكنه أمَر القومَ وأَشْرَكَهم معه في العمل ليُدَرِّبَهم ويُعَلِّمَهم ماداموا قادرِين، ولديهم الطاقةُ البشريّةُ اللازمةُ لهذا العمل. والحَقُّ تبارَك وتعالَى يقول: {لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إلا مَا آتَاها.. "7 "} (سورة الطلاق): فمادامَ رَبُّكَ قد أعطاكَ القوّةَ فاعْمَلْ، ولا تَعتمِدْ على الآخرين؛ لذلك تجد هنا أوامرَ ثلاثةً: أَعِينوني بقوّةٍ، آتُونِي زُبَرَ الحديدِ، آتُونِي أُفْرِغْ عليه قِطْراً...

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

(قال آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً). وبهذا الشَّكل قام بتغطية هذا السّدِّ الحديديِّ بطبقةِ النُّحاسِ حتى لا يَنْفُذَ فيه الهواءُ ويُحْفَظَ مِن التآكُل...