معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{يَٰمَعۡشَرَ ٱلۡجِنِّ وَٱلۡإِنسِ أَلَمۡ يَأۡتِكُمۡ رُسُلٞ مِّنكُمۡ يَقُصُّونَ عَلَيۡكُمۡ ءَايَٰتِي وَيُنذِرُونَكُمۡ لِقَآءَ يَوۡمِكُمۡ هَٰذَاۚ قَالُواْ شَهِدۡنَا عَلَىٰٓ أَنفُسِنَاۖ وَغَرَّتۡهُمُ ٱلۡحَيَوٰةُ ٱلدُّنۡيَا وَشَهِدُواْ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِمۡ أَنَّهُمۡ كَانُواْ كَٰفِرِينَ} (130)

قوله تعالى : { يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم } ، واختلفوا في أن الجن هل أرسل إليهم منهم رسول ؟ فسئل الضحاك عنه ، فقال : بلى ألم تسمع الله يقول : { ألم يأتكم رسل منكم } ، يعني : بذلك رسلاً من الإنس ، ورسلاً من الجن . قال الكلبي : كانت الرسل من قبل أن يبعث محمد صلى الله عليه وسلم يبعثون إلى الجن وإلى الإنس جميعا . ومحمد الرسول صلى الله عليه وسلم بعث إلى الجن والإنس كافة ، قال مجاهد : الرسل من الإنس ، والنذر من الجن ، ثم قرأ { ولوا إلى قومهم منذرين } [ الأحقاف :29 ] ، وهم قوم يسمعون كلام الرسل فيبلغون الجن ما سمعوا ، وليس للجن رسل ، فعلى هذا قوله : { رسل منكم } ينصرف إلى أحد الصنفين وهم الإنس ، كما قال تعالى : { يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان } [ الرحمن :22 ] ، وإنما يخرج من الملح دون العذاب ، وقال : { وجعل القمر فيهن نوراً } [ نوح :16 ] ، وإنما هو في سماء واحدة .

قوله تعالى : { يقصون عليكم } ، أي : يقرؤون عليكم .

قوله تعالى : { آياتي } ، كتبي .

قوله تعالى : { وينذرونكم لقاء يومكم هذا } ، وهو يوم القيامة .

قوله تعالى : { قالوا شهدنا على أنفسنا } ، أنهم قد بلغوا ، قال مقاتل : وذلك حين شهدت عليهم جوارحهم بالشرك والكفر .

قوله تعالى : { وغرتهم الحياة الدنيا } ، حتى لم يؤمنوا .

قوله تعالى : { وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين } .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{يَٰمَعۡشَرَ ٱلۡجِنِّ وَٱلۡإِنسِ أَلَمۡ يَأۡتِكُمۡ رُسُلٞ مِّنكُمۡ يَقُصُّونَ عَلَيۡكُمۡ ءَايَٰتِي وَيُنذِرُونَكُمۡ لِقَآءَ يَوۡمِكُمۡ هَٰذَاۚ قَالُواْ شَهِدۡنَا عَلَىٰٓ أَنفُسِنَاۖ وَغَرَّتۡهُمُ ٱلۡحَيَوٰةُ ٱلدُّنۡيَا وَشَهِدُواْ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِمۡ أَنَّهُمۡ كَانُواْ كَٰفِرِينَ} (130)

128

ثم نعود مع السياق إلى شطر المشهد الأخير :

( يا معشر الجن والإنس ، ألم يأتكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي ، وينذرونكم لقاء يومكم هذا ؟ قالوا شهدنا على أنفسنا ، وغرتهم الحياة الدنيا ، وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين ) . .

وهو سؤال للتقرير والتسجيل . فالله - سبحانه - يعلم ما كان من أمرهم في الحياة الدنيا . والجواب عليه إقرار منهم باستحقاقهم هذا الجزاء في الآخرة . .

والخطاب موجه إلى الجن كما هو موجه إلى الإنس . . فهل أرسل الله إلى الجن رسلا منهم كما أرسل إلى الإنس ؟ الله وحده يعلم شأن هذا الخلق المغيب عن البشر . ولكن النص يمكن تأويله بأن الجن كانوا يسمعون ما أنزل على الرسل ، وينطلقون إلى قومهم منذرين به . كالذي رواه القرآن الكريم من أمر الجن في سورة الأحقاف : وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن . فلما حضروه قالوا : أنصتوا . فلما قضي ولوا إلى قومهم منذرين . قالوا : يا قومنا إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى مصدقاً لما بين يديه ، يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم . يا قومنا أجيبوا داعي الله وآمنوا به ، يغفر لكم من ذنوبكم ، ويجركم من عذاب أليم . ومن لا يجب داعي الله فليس بمعجز في الأرض ، وليس له من دونه أولياء . أولئك في ضلال مبين . . فجائز أن يكون السؤال والجواب للجن مع الإنس قائمين على هذه القاعدة . . والأمر كله مما اختص الله سبحانه بعلمه والبحث فيما وراء هذا القدر لا طائل وراءه !

وعلى أية حال فقد أدرك المسؤولون من الجن والإنس ، أن السؤال ليس على وجهه . إنما هو سؤال للتقرير والتسجيل ؛ كما أنه للتأنيب والتوبيخ ؛ فأخذوا في الاعتراف الكامل ؛ وسجلوا على أنفسهم استحقاقهم لما هم فيه :

( قالوا : شهدنا على أنفسنا ) :

وهنا يتدخل المعقب على المشهد ليقول :

( وغرتهم الحياة الدنيا ؛ وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين ) ؛

وهو تعقيب لتقرير حقيقة حالهم في الدنيا . فقد غرتهم هذه الحياة ؛ وقادهم الغرور إلى الكفر . ثم ها هم أولاء يشهدون على أنفسهم به ؛ حيث لا تجدي المكابرة والإنكار . . فأي مصير أبأس من أن يجد الإنسان نفسه في هذا المأزق ، الذي لا يملك أن يدفع عن نفسه فيه ، ولا بكلمة الإنكار ! ولا بكلمة الدفاع !

ونقف لحظة أمام الأسلوب القرآني العجيب في رسم المشاهد حاضرة ؛ ورد المستقبل المنظور واقعاً مشهوداً ؛ وجعل الحاضر القائم ماضياً بعيداً !

إن هذ القرآن يتلى على الناس في هذه الدنيا الحاضرة ؛ وفي هذه الأرض المعهودة . ولكنه يعرض مشهد الآخرة كأنه حاضر قريب ؛ ومشهد الدنيا كأنها ماض بعيد ! فننسى أن ذلك مشهد سيكون يوم القيامة ؛ ونستشعر أنه أمامنا اللحظة ماثل ! وأنه يتحدث عن الدنيا التي كانت كما يتحدث عن التاريخ البعيد !

( وغرتهم الحياة الدنيا ، وشهدوا على أنفسهم أنهم - كانوا - كافرين ) . .

وذلك من عجائب التخييل !

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{يَٰمَعۡشَرَ ٱلۡجِنِّ وَٱلۡإِنسِ أَلَمۡ يَأۡتِكُمۡ رُسُلٞ مِّنكُمۡ يَقُصُّونَ عَلَيۡكُمۡ ءَايَٰتِي وَيُنذِرُونَكُمۡ لِقَآءَ يَوۡمِكُمۡ هَٰذَاۚ قَالُواْ شَهِدۡنَا عَلَىٰٓ أَنفُسِنَاۖ وَغَرَّتۡهُمُ ٱلۡحَيَوٰةُ ٱلدُّنۡيَا وَشَهِدُواْ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِمۡ أَنَّهُمۡ كَانُواْ كَٰفِرِينَ} (130)

{ يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم } الرسل من الإنس خاصة ، لكن لما جمعوا مع الجن في الخطاب صح ذلك ونظيره { يخرج منه اللؤلؤ والمرجان } والمرجان يخرج من الملح دون العذب وتعلق بظاهره قوم وقالوا بعث إلى كل من الثقلين رسل من جنسهم . وقيل الرسل من الجن رسل الرسل إليهم لقوله تعالى : { ولوا إلى قومهم منذرين } . { يقصون عليكم آياتي وينذرونكم لقاء يومكم هذا } يعني يوم القيامة { قالوا } جوابا . { شهدنا على أنفسنا } بالجرم والعصيان وهو اعتراف منهم بالكفر واستيجاب العذاب . { وغرتهم الحياة الدنيا وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين } ذم لهم على سوء نظرهم وخطأ رأيهم ، فإنهم اغتروا بالحياة الدنيوية واللذات المخدجة ، وأعرضوا عن الآخرة بالكلية حتى كان عاقبة أمرهم أن اضطروا إلى الشهادة على أنفسهم بالكفر والاستسلام للعذاب المخلد تحذير للسامعين مثل حالهم .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{يَٰمَعۡشَرَ ٱلۡجِنِّ وَٱلۡإِنسِ أَلَمۡ يَأۡتِكُمۡ رُسُلٞ مِّنكُمۡ يَقُصُّونَ عَلَيۡكُمۡ ءَايَٰتِي وَيُنذِرُونَكُمۡ لِقَآءَ يَوۡمِكُمۡ هَٰذَاۚ قَالُواْ شَهِدۡنَا عَلَىٰٓ أَنفُسِنَاۖ وَغَرَّتۡهُمُ ٱلۡحَيَوٰةُ ٱلدُّنۡيَا وَشَهِدُواْ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِمۡ أَنَّهُمۡ كَانُواْ كَٰفِرِينَ} (130)

قوله تعالى : { يا معشر الجن والإنس } داخل في القول يوم الحشر ، والضمير في { منكم } قال ابن جريج وغيره عمم بظاهرة الطائفتين والمراد الواحدة تجوزاً ، وهذا موجود في كلام العرب ، ومنه قوله تعالى : { يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان }{[5099]} وذلك إنما يخرج من الأجاج ، وقال الضحاك الضمير عائد على الطائفتين وفي الجن رسل منهم .

قال القاضي أبو محمد : وهذا ضعيف ، وقال ابن عباس الضمير عائد على الطائفتين ولكن رسل الجن هم رسل الإنس ، فهم رسل الله بواسطة إذ هم رسل رسله ، وهم النذر ، و { يقصون } من القصص ، وقرأ عبد الرحمن الأعرج «ألم تكن تأتيكم » بالتاء على تأنيث لفظ «الرسل » وقولهم : { شهدنا } إقرار منهم بالكفر واعتراف أي شهدنا على أنفسنا بالتقصير ، وقوله { وغرتهم الحياة الدنيا } التفاتة فصيحة تضمنت أن كفرهم كان بأذم الوجوه لهم وهو الاغترار الذي لا يواقعه عاقل ، ويحتمل { غرتهم } أن يكون بمعنى أشبعتهم وأطعمتهم بحلوائها كما يقال غر الطائر فرخه وقوله { وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين } تظهر بينه وبين ما في القرآن من الآيات التي تقتضي إنكار المشركين الإشراك مناقضة ، والجمع بينهما هو إما بأنها طوائف ، وإما طائفة واحدة في مواطن شتى ، وإما أن يريد بقوله ها هنا : { وشهدوا على أنفسهم } ، شهادة الأيدي والأرجل والجلود بعد إنكارهم بالألسنة .

قال القاضي أبو محمد : واللفظ ها هنا يبعد من هذا .


[5099]:- الآية (22) من سورة (الرحمان)، والأجاج: الملح، ويراد به هنا البحر، ومنه يستخرج اللؤلؤ والمرجان لا من الأنهار ذات المياه العذبة.