قوله تعالى : " يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم " أي يوم نحشرهم نقول لهم{[6718]} ألم يأتكم رسل فحذف ، فيعترفون بما فيه افتضاحهم . ومعنى " منكم " في الخلق والتكليف والمخاطبة . ولما كانت الجن ممن يخاطب ويعقل قال : " منكم " وإن كانت الرسل من الإنس وغلب الإنس في الخطاب كما يغلب المذكر على المؤنث . وقال ابن عباس : رسل الجن هم الذين بلغوا قومهم ما سمعوه من الوحي ، كما قال : " ولوا إلى قومهم منذرين{[6719]} " [ الأحقاف : 29 ] . وقال مقاتل والضحاك : أرسل الله رسلا من الجن كما أرسل من الإنس . وقال مجاهد : الرسل من الإنس ، والنذر من الجن ، ثم قرأ " إلى قومهم منذرين{[6720]} " [ الأحقاف : 29 ] . وهو معنى قول ابن عباس ، وهو الصحيح على ما يأتي بيانه في " الأحقاف " {[6721]} . وقال الكلبي{[6722]} : كانت الرسل قبل أن يبعث محمد صلى الله عليه وسلم يبعثون إلى الإنس والجن جميعا .
قلت : وهذا لا يصح ، بل في صحيح مسلم من حديث جابر بن عبدالله الأنصاري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أعطيت خمسا لم يعطهن نبي قبلي كان كل نبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى كل أحمر وأسود ) الحديث . على ما يأتي بيانه في " الأحقاف " . وقال ابن عباس : كانت الرسل تبعث إلى الإنس وإن محمدا صلى الله عليه وسلم بعث إلى الجن والإنس ، ذكره أبو الليث السمرقندي . وقيل : كان قوم من الجن : استمعوا إلى الأنبياء ثم عادوا إلى قومهم وأخبروهم ، كالحال مع نبينا عليه السلام . فيقال لهم رسل الله ، وإن لم ينص على إرسالهم . وفي التنزيل : " يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان{[6723]} " [ الرحمن : 22 ] أي من أحدهما ، وإنما يخرج من الملح دون العذب ، فكذلك الرسل من الإنس دون الجن ، فمعنى " منكم " أي من أحدكم . وكان هذا جائزا ؛ لأن ذكرهما سبق . وقيل : إنما صير الرسل في مخرج اللفظ من الجميع ؛ لأن الثقلين قد ضمتهما عرصة القيامة ، والحساب عليهم دون الخلق ، فلما صاروا في تلك العرصة في حساب واحد في شأن الثواب والعقاب خوطبوا يومئذ بمخاطبة واحدة كأنهم جماعة واحدة ؛ لأن بدء خلقهم للعبودية ، والثواب والعقاب على العبودية ، ولأن الجن أصلهم من مارج من نار ، وأصلنا من تراب ، وخلقهم غير خلقنا ، فمنهم مؤمن وكافر . وعدونا إبليس عدوهم ، يعادي مؤمنهم ويوالي كافرهم . وفيهم أهواء : شيعة وقدرية ومرجئة يتلون كتابنا . وقد وصف الله عنهم في سورة " الجن " من قوله : " وأنا منا المسلمون ومنا القاسطون " [ الجن : 14 ] . " وأنا منا الصالحون ومنا دون ذلك كنا طرائق قددا " {[6724]} [ الجن : 11 ] على ما يأتي بيانه هناك . " يقصون " في موضع رفع نعت لرسل . " قالوا شهدنا على أنفسنا " أي شهدنا أنهم بلغوا . " وغرتهم الحياة الدنيا " قيل : هذا خطاب من الله للمؤمنين ، أي أن هؤلاء قد غرتهم الحياة الدنيا ، أي خدعتهم وظنوا أنها تدوم ، وخافوا زوالها عنهم إن آمنوا . " وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين " أي اعترفوا بكفرهم . قال مقاتل : هذا حين شهدت عليهم الجوارح بالشرك وبما كانوا يعملون{[6725]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.