قوله تعالى : { آتوني } : أعطوني ، وقرأ أبو بكر : ائتوني أي : جيئوني ، { زبر الحديد } ، أي قطع الحديد ، واحدتهما زبرة ، فأتوه بها وبالحطب ، وجعل بعضها على بعض ، فلم يزل يجعل الحديد على الحطب والحطب على الحديد ، { حتى إذا ساوى بين الصدفين } ، قرأ ابن كثير ، وابن عامر ، وأبو عمرو ، ويعقوب : بضم الصاد والدال ، وجزم أبو بكر الدال ، وقرأ الآخرون بفتحها ، وهما الجبلان ، ساوى : أي : سوى بين طرفي الجبلين . { قال انفخوا } ، وفي القصة : أنه جعل الفحم والحطب في خلال زبر الحديد ، ثم قال : انفخوا ، يعني : في النار . { حتى إذا جعله ناراً } ، أي : صار الحديد ناراً ، { قال آتوني } ، قرأ حمزة وأبو بكر وصلاً ، وقرأ الآخرون بقطع الألف . { أفرغ عليه قطراً } ، أي : آتوني قطراً أفرغ عليه ، والإفراغ : الصب ، والقطر : هو النحاس المذاب ، فجعلت النار تأكل الحطب ، ويصير النحاس مكان الحطب حتى لزم الحديد النحاس . قال قتادة : هو كالبر والبحر ، طريقة سوداء وطريقة حمراء . وفي القصة : أن عرضه كان خمسين ذراعاً وارتفاعه مائتي ذراع وطوله فرسخ .
( آتوني زبر الحديد ) . . فجمعوا له قطع الحديد ، وكومها في الفتحة بين الحاجزين ، فأصبحاكأنهما صدفتان تغلفان ذلك الكوم بينهما . ( حتى إذا ساوى بين الصدفين ) وأصبح الركام بمساواة القمتين ( قال : انفخوا ) على النار لتسخين الحديد ( حتى إذا جعله نارا ) كله لشدة توهجه واحمراره ( قال : آتوني أفرغ عليه قطرا ) أي نحاسا مذابا يتخلل الحديد ، ويختلط به فيزيده صلابة
وقد استخدمت هذه الطريقة حديثا في تقوية الحديد ؛ فوجد أن إضافة نسبة من النحاس إليه تضاعف مقاومته وصلابته . وكان هذا الذي هدى الله إليه ذا القرنين ، وسجله في كتابه الخالد سبقا للعلم البشري الحديث بقرون لا يعلم عددها إلا الله .
{ آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ } والزبر : جمع زُبْرَة ، وهي القطعة منه ، قاله ابن عباس ، ومجاهد ، وقتادة . وهي كاللبنة{[18499]} ، يقال : كل لبنة [ زنة ]{[18500]} قنطار بالدمشقي ، أو تزيد عليه .
{ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ } أي : وضع بعضه على بعض من الأساس حتى إذا حاذى به رءوس الجبلين طولا وعرضًا . واختلفوا في مساحة عرضه وطوله على أقوال . { قَالَ انْفُخُوا } أي : أجج{[18501]} عليه النار حتى صار كله نارًا ، { قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا } قال ابن عباس ، ومجاهد ، وعكرمة ، والضحاك ، وقتادة ، والسُّدي : هو النحاس . وزاد بعضهم : المذاب . ويستشهد بقوله تعالى : { وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ } [ سبأ : 12 ] ولهذا يشبه{[18502]} بالبرد المحبر .
قرأ عاصم{[7897]} وحمزة «ايتوني » بمعنى جيئوني ، وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر والكسائي «آتوني » بمعنى أعطوني ، وهذا كله إنما هو استدعاء إلى المناولة ، لا استدعاء العطية والهبة ، لأنه قد ارتبط من قوله إنه لا يأخذ منهم الخرج ، فلم يبق الاستدعاء المناولة ، وإعمال القوة ، و «ايتوني » : أشبه بقوله : فأعينوني بقوة ، ونصب «الزبر » به على نحو قول الشاعر : أمرتك الخير{[7898]} ، حذف الجار فنصب الفعل وقرأ الجمهور «زبَر » بفتح الباء ، وقرأ الحسن بضمها ، وكل ذلك جمع زبرة ، وهي القطعة العظيمة منه ، والمعنى : فرصفه وبناه ، حتى إذا ساوى بين الصدفين ، فاختصر ذلك لدلالة الظاهر عليه ، وقرأ الجمهور «ساوى » وقرأ قتادة «سوى » ، و «الصدفان » : الجبلان المتناوحان{[7899]} ، ولا يقال للواحد صدف وإنما يقال صدفان لاثنين لأن أحدهما يصادف الآخر ، وقرأ نافع وحمزة والكسائي «الصَّدَفين » بفتح الصاد وشدها وفتح الدال ، وهي قراءة عمر بن الخطاب وعمر بن عبد العزيز{[7900]} ، وقرأ ابن كثير وابن عامر وأبو عمرو «الصُّدفين » بضم الصاد والدال ، وهي قراءة مجاهد والحسن ، وقرأ عاصم في رواية أبي بكر بضم الصاد وسكون الدال ، وهي قراءة أبي رجاء وأبي عبد الرحمن وقرأ الماجشون «بفتح الصاد وضم الدال ، وقراءة قتادة » بين الصَّدْفين « ، بفتح الصاد وسكون الدال ، وكل ذلك بمعنى واحد : هما الجبلان المتناوحان ، وقيل » الصدفان « : السطحان الأعليان من الجبلين ، وهذا نحو من الأول ، وقوله { قال انفخوا } إلى آخر الآية معناه أنه كان يأمر بوضع طاقة من الزبر والحجارة ، ثم يوقد عليها ، حتى تحمى ، ثم يؤتى بالنحاس المذاب أو الرصاص أو بالحديد ، بحسب الخلاف في القطر ، فيفرغه ، على تلك الطاقة المنضدة ، فإذا التأم واشتد استأنف وصف طاقة أخرى ، إلى أن استوى العمل ، وقرأ بعض الصحابة : » بقطر أفرغ عليه « ، وقال أكثر المفسرين : » القطر « : النحاس المذاب ، ويؤيد هذا ما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم » جاءه رجل فقال : يا رسول الله ، إني رأيت سد يأجوج ومأجوج ، قال كيف رأيته ؟ قال رأيته كالبرد المحبر : طريقة صفراء ، وطريقة حمراء ، وطريقة سوداء . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قد رأيته{[7901]} « ، وقالت فرقة » القطر « : الرصاص المذاب ، وقالت فرقة الحديد المذاب ، وهو مشتق من قطر يقطر .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.