قوله تعالى : { ألا إنهم يثنون صدورهم } ، قال ابن عباس : نزلت في الأخنس بن شريق وكان رجلا حلو الكلام حلو المنظر ، يلقى رسول الله صلى الله عليه وسلم بما يحب ، ونطوي بقلبه على ما يكره . قوله : { يثنون صدورهم } أي : يخفون ما في صدورهم من الشحناء والعداوة . قال عبد الله بن شداد : نزلت في بعض المنافقين كان إذا مر برسول الله صلى الله عليه وسلم ثنى صدره وظهره ، وطأطأ رأسه ، وغطى وجهه كي لا يراه النبي صلى الله عليه وسلم . وقال قتادة : كانوا يحنون صدورهم كي لا يسمعوا كتاب الله تعالى ولا ذكره . وقيل : كان الرجل من الكفار يدخل بيته ويرخي ستره ويحني ظهره ويتغشى بثوبه . ويقول : هل يعلم الله ما في قلبي . وقال السدي : يثنون أي : يعرضون بقلوبهم ، من قولهم : ثنيت عناني . وقيل : يعطفون ، ومنه ثني الثوب . وقرأ ابن عباس : يثنوني على وزن يحلولي جعل الفعل للمصدر ، ومعناه المبالغة في الثني . { ليستخفوا منه } ، أي : من رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال مجاهد : ليستخفوا من الله إن استطاعوا ، { ألا حين يستغشون ثيابهم } ، يغطون رؤوسه بثيابهم ، { يعلم ما يسرون وما يعلنون إنه عليم بذات الصدور } ، قال الأزهري : معنى الآية من أولها إلى آخرها : إن الذين أضمروا عداوة رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يخفى علينا حالهم .
أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنا محمد بن يوسف ، ثنا محمد ابن إسماعيل ، ثنا الحسن بن محمد بن صباح ثنا حجاج قال : قال ابن جريج أخبرني محمد بن عباد بن جعفر أنه سمع ابن عباس رضي الله عنهما يقرأ : { ألا إنهم يثنون صدورهم } ، فقال : سألته عنها قال : كان أناس يستحبون أن يتخلوا فيفضوا إلى السماء ، وأن يجامعوا نساءهم فيفضوا إلى السماء ، فنزل ذلك فيهم .
وبعد إعلان خلاصة الكتاب الذي أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير . . يمضي السياق يعرض كيف يتلقى فريق منهم تلك الآيات ، عندما يقدمها لهم النذير البشير ، ويصور الوضع الحسي الذي يتخذونه والحركة المادية المصاحبة له وهي إحناء رؤوسهم وثني صدورهم للتخفي . ويكشف عن العبث في تلك المحاولة وعلم الله يتابعهم في أخفى أوضاعهم ؛ وكل دابة في الأرض مثلهم يشملها العلم اللطيف الدقيق :
( ألا إنهم يثنون صدورهم ليستخفوا منه . ألا حين يستغشون ثيابهم يعلم ما يسرون وما يعلنون ، إنه عليم بذات الصدور . وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ، ويعلم مستقرها ومستودعها . كل في كتاب مبين ) . .
والآيتان الكريمتان تستحضران مشهدا فريدا ترجف له القلوب حين تتدبره وتتصوره !
ويا لها من رهبة غامرة ، وروعة باهرة ، حين يتصور القلب البشري حضور الله - سبحانه - وإحاطة علمه وقهره ؛ بينما أولئك العبيد الضعاف يحاولون الاستخفاء منه وهم يواجهون آياته يتلوها رسوله :
( ألا إنهم يثنون صدورهم ليستخفوا منه . ألا حين يستغشون ثيابهم يعلم ما يسرون وما يعلنون . إنه عليم بذات الصدور ) . .
ولعل نص الآية إنما يصور حالة واقعة كانت تصدر من المشركين ورسول الله [ ص ] يسمعهم كلام الله ؛ فيثنون صدورهم ويطأطئون رؤوسهم استخفاء من الله الذي كانوا يحسون في أعماقهم أنه قائل هذا الكلام . . وذلك كما ظهر منهم في بعض الأحيان !
ولا يكمل السياق الآية حتى يبين عبث هذه الحركة ، والله ، الذي أنزل هذه الآيات ، معهم حين يستخفون وحين يبرزون . ويصور هذا المعنى - على الطريقة القرآنية - في صورة مرهوبة ، وهم في وضع خفي دقيق من أوضاعهم . حين يأوون إلى فراشهم ، ويخلون إلى أنفسهم ، والليل لهم ساتر ، وأغطيتهم لهم ساتر . ومعذلك فالله معهم من وراء هذه الأستار حاضر ناظر قاهر . يعلم في هذه الخلوة ما يسرون وما يعلنون :
( ألا حين يستغشون ثيابهم يعلم ما يسرون وما يعلنون ) .
والله يعلم ما هو أخفى . وليست أغطيتهم بساتر دون علمه . ولكن الإنسان يحس عادة في مثل هذه الخلوة أنه وحيد لا يراه أحد . فالتعبير هكذا يلمس وجدانه ويوقظه ، ويهزه هزة عميقة إلى هذه الحقيقة التي قد يسهو عنها ، فيخيل إليه أنه ليس هناك من عين تراه !
عليم بالأسرار المصاحبة للصدور ، التي لا تفارقها ، والتي تلزمها كما يلزم الصاحب صاحبه ، أو المالك ملكه . . فهي لشدة خفائها سميت ذات الصدور . ومع ذلك فالله بها عليم . . وإذن فما من شيء يخفى عليه ، وما من حركة لهم أو سكنة تذهب أو تضيع .
القول في تأويل قوله تعالى : { أَلا إِنّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُواْ مِنْهُ أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصّدُورِ } .
اختلف القرّاء في قراءة قوله : ألا إنّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ فقرأته عامة الأمصار : ألا إنّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ على تقدير يفعلون من «ثنيت » ، والصدور منصوبة .
واختلفت قارئو ذلك كذلك في تأويله ، فقال بعضهم : ذلك كان من فعل بعض المنافقين كان إذا مرّ برسول الله صلى الله عليه وسلم غطى وجهه وثنى ظهره . ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا ابن أبي عديّ ، عن شعبة ، عن حصين ، عن عبد الله بن شدّاد في قوله : ألا إنّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ ألاَ حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ قال : كان أحدهم إذا مرّ برسول الله صلى الله عليه وسلم قال بثوبه على وجهه وثنى ظهره .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا حصين ، عن عبد الله بن شداد بن الهاد ، قوله : ألا إنّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ قال : من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : كان المنافقون إذا مرّوا به ثنى أحدهم صدره ويطأطىء رأسه ، فقال الله : ألا إنّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ . . . الآية .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا عمرو بن عون ، قال : حدثنا هشيم ، عن حصين ، قال : سمعت عبد الله بن شداد يقول ، في قوله : يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ قال : كان أحدهم إذا مرّ بالنبيّ صلى الله عليه وسلم ثنى صدره ، وتغشى بثوبه كي لا يراه النبيّ صلى الله عليه وسلم .
وقال آخرون : بل كانوا يفعلون ذلك جهلاً منهم بالله وظنّا أن الله يخفى عليه ما تضمره صدورهم إذا فعلوا ذلك . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ قال : شكا وامتراء في الحقّ ، ليستخفوا من الله إن استطاعوا .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ شكّا وامتراء في الحقّ . لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ قال : من الله إن استطاعوا .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا ابن نمير ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ قال : تضيق شكّا .
حدثنا المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ قال : تضيق شكّا وامتراء في الحقّ ، قال : لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ قال : من الله إن استطاعوا .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، بنحوه .
حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا هوذة ، قال : حدثنا عوف ، عن الحسن ، في قوله : ألا إنّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ ألاَ حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ قال : من جهالتهم به ، قال الله : ألاَ حِينَ يَسْتَغْثُونَ ثِيَابَهُمْ في ظلمة الليل في أجوف بيوتهم ، يَعْلَمُ تلك الساعة ما يُسِرّونَ وَما يُعْلِنُونَ إنّهُ عَلِيمٌ بذاتِ الصّدُور .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن منصور ، عن أبي رزين : ألا إنّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ ألاَ حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ قال : كان أحدهم يحني ظهره ويستغشي بثوبه .
وقال آخرون : إنما كانوا يفعلون ذلك لئلا يسمعوا كلام الله تعالى . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : ألا إنّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ . . . الآية ، قال : كانوا يحنون صدورهم لكيلا يسمعوا كتاب الله ، قال تعالى : ألاَ حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ ما يُسِرّونَ وَما يُعْلِنُونَ وذلك أخفى ما يكون ابن آدم إذا حنى صدره واستغشى بثوبه وأضمر همه في نفسه ، فإن الله لا يخفى ذلك عليه .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ قال : أخفى ما يكون الإنسان إذا أسرّ في نفسه شيئا وتغطى بثوبه ، فذلك أخفى ما يكون ، والله يطلع على ما في نفوسهم ، والله يعلم ما يسرّون وما يعلنون .
وقال آخرون : إنما هذا إخبار من الله نبيه صلى الله عليه وسلم عن المنافقين الذين كانوا يضمرون له العداوة والبغضاء ويبدون له المحبة والمودّة ، وأنهم معه وعلى دينه . يقول جلّ ثناؤه : ألا إنهم يطوون صدورهم على الكفر ليستخفوا من الله ، ثم أخبر جلّ ثناؤه أنه لا يخفى عليه سرائرهم وعلانيتهم .
وقال آخرون : كانوا يفعلون ذلك إذا ناجى بعضهم بعضا . ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ألا إنّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ قال : هذا حين يناجي بعضهم بعضا . وقرأ : ألاَ حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ . . . الآية .
ورُوي عن ابن عباس أنه كان يقرأ ذلك : «ألا إنّهُمْ تَثْنَونِي صُدُورُهُمْ » على مثال : تَحْلَولِي التمرة : تَفْعَوعِل .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبو أسامة ، عن ابن جريج ، عن ابن أبي مليكة ، قال : سمعت ابن عباس يقرأ «ألا إنّهُمْ تَثْنَونِي صُدُورُهُمْ » قال : كانوا لا يأتون النساء ولا الغائط إلا وقد تغشوا بثيابهم كراهة أن يفضوا بفروجهم إلى السماء .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : سمعت محمد بن عباد بن جعفر يقول : سمعت ابن عباس يقرؤها : «ألا إنّهُمْ تَثْنَونِي صُدُورُهُمْ » قال : سألته عنها ، فقال : كان ناس يستحيون أن يتخلّوا فيُفْضُوا إلى السماء ، وأن يصيبوا فيفضوا إلى السماء .
ورُوي عن ابن عباس في تأويل ذلك قول آخر ، وهو ما :
حدثنا به محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، قال : أخبرت عن عكرمة ، أن ابن عباس ، قرأ «ألا إنّهُمْ تَثْنَونِي صُدُورُهُمْ » وقال ابن عباس : تثنوني صدورهم : الشك في الله وعمل السيئات . يَسْتَغْشُونَ ثِيابَهُمْ يستكبر ، أو يستكنّ من الله والله يراه ، يَعْلَمُ ما يُسِرّونَ وَما يُعْلِنُونَ .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن رجل ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، أنه قرأ : «ألا إنّهُمْ تَثْنَونِي صُدُورُهُمْ » قال عكرمة : تثنوني صدورهم ، قال : الشك في الله وعمل السيئات ، فيستغشي ثيابه ويستكنّ من الله ، والله يعلم ما يسرّون وما يعلنون .
والصواب من القراءة في ذلك عندنا ما عليه قرّاء الأمصار ، وهو : ألا إنّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ على مثال «يفعلون » ، والصدور نصب بمعنى : يحنون صدورهم ويكنّونها . كما :
حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ يقول : يكنّون .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : ألا إنّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ يقول : يكتمون ما في قلوبهم . ألاَ حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ ما عملوا بالليل والنهار .
حُدثت عن الحسين بن الفرج ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : حدثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : ألا إنّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ يقول : تثنوني صدورُهم .
وهذا التأويل الذي تأوّله الضحاك على مذهب قراءة ابن عباس ، إلا أن الذي حدثنا هكذا ذكر القراءة في الرواية . فإذا كانت القراءة التي ذكرنا أولى القراءتين في ذلك بالصواب لإجماع الحجة من القرّاء عليها . فأولى التأويلات بتأويل ذلك ، تأويل من قال : إنهم كانوا يفعلون ذلك جهلاً منهم بالله أنه يخفى عليه ما تضمره نفوسهم أو تناجوه بينهم .
وإنما قلنا ذلك أولى التأويلات بالآية ، لأن قوله : لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ بمعنى : ليستخفوا من الله ، وأن الهاء في قوله : مِنْهُ عائدة على اسم الله ، ولم يجر لمحمد ذكر قبل ، . فيجعل من ذكره صلى الله عليه وسلم وهي في سياق الخبر عن الله . فإذا كان ذلك كذلك كانت بأن تكون من ذكر الله أولى . وإذا صحّ أن ذلك كذلك ، كان معلوما أنهم لم يحدّثوا أنفسهم أنهم يستخفون من الله إلا بجهلهم به ، فلما أخبرهم جلّ ثناؤه أنه لا يخفى عليه سرّ أمورهم وعلانيتها على أيّ حال كانوا تغشوا بالثياب أو أظهروا بالبزار ، فقال : ألاَ حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يعني : يتغشون ثيابهم يتغطونها ويلبسون ، يقال منه : استغشى ثوبه وتغشاه ، قال الله : واسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وقالت الخنساء :
أرْعَى النّجُومَ وَما كُلّفْتُ رِعْيَتَها *** وتارَةً أتَغشّى فَضْلَ أطْمارِى
يَعْلَمُ ما يُسِرّونَ يقول جلّ ثناؤه : يعلم ما يسرّ هؤلاء الجهلة بربهم ، الظانون أن الله يخفى عليه ما أضمرته صدورهم إذا حنوها على ما فيها وثنوه ، وما تناجوه بينهم فأخفوه وما يُعْلِنُونَ سواء عنده سرائر عباده وعلانيتهم إنّه عَلِيمٌ بذَاتِ الصّدُورَ يقول تعالى ذكره : إن الله ذو علم بكلّ ما أخفته صدور خلقه من إيمان وكفر وحقّ وباطل وخير وشرّ ، وما تستجنّه مما لم يجنه بعد . كما :
حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس : ألاَ حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يقول : يغطون رؤسهم .
قال أبو جعفر ، فاحذروا أن يطلع عليكم ربكم وأنتم مضمرون في صُدُوركم الشكّ في شيء من توحيده أو أمره أو نهيه ، أو فيما ألزمكم الإيمان به والتصديق ، فتهلكوا باعتقادكم ذلك .
{ ألا إنهم يثنون صدورهم } يثنونها عن الحق وينحرفون عنه ، أو يعطفونها على الكفر وعداوة النبي صلى الله عليه وسلم ، أو يولون ظهورهم . وقرئ " يثنوني " بالياء والتاء من اثنوني ، وهو بناء مبالغة و " تثنون " ، وأصله تثنونن من الثن وهو الكلأ الضعيف أراد به ضعف قلوبهم أو مطاوعة صدورهم للثني ، و " تثنئن " من اثنأن كابياض بالهمزة و " تثنوي " . { ليستخفوا منه } من الله بسرهم فلا يطلع رسوله والمؤمنين عليه . قيل إنها نزلت في طائفة من المشركين قالوا : إذا أرخينا ستورنا واستغشينا ثيابنا وطوينا صدورنا على عداوة محمد كيف يعلم . وقيل نزلت في المنافقين وفيه نظر إذ الآية مكية والنفاق حدث بالمدينة . { ألا حين يستغشون ثيابهم } ألا حين يأوون إلى فراشهم ويتغطون بثيابهم . { يعلم ما يسرّون } في قلوبهم . { وما يُعلنون } بأفواههم يستوي في علمه سرهم وعلنهم فكيف يخفى عليه ما عسى يظهرونه . { إنه عليم بذات الصدور } بأسرار ذات الصدور أو بالقلوب وأحوالها .