الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{أَلَآ إِنَّهُمۡ يَثۡنُونَ صُدُورَهُمۡ لِيَسۡتَخۡفُواْ مِنۡهُۚ أَلَا حِينَ يَسۡتَغۡشُونَ ثِيَابَهُمۡ يَعۡلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعۡلِنُونَۚ إِنَّهُۥ عَلِيمُۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ} (5)

قوله : { ألا إنهم يثنون صدورهم ليستخفوا منه } إلى قوله { مبين }[ 5-6 ] .

( ألا ) : استفتاح كلام ، و{ يثنون } : من ثنيت ، وهو فعل المنافقين ، كانوا إذا مروا بالنبي {[31850]} يثني أحدهم صدره ، ويطأطأ رأسه {[31851]} .

وقيل : نزلت فيما ، كان المنافقون يبطلون من عداوة النبي {[31852]} ، وبغضه {[31853]} ، أعلمه {[31854]} أن الله عز وجل {[31855]} يعلم ما تنطوي {[31856]} عليهم صدورهم من {[31857]} ذلك ، وإن غطوا عليه رؤوسهم بثيابهم ، ليستتروا {[31858]} ، فهو يعلم ما في صدورهم في كل حال من أحوالهم {[31859]} .

يعني بالمنافقين : كفار قريش ، لا المنافقين من أهل المدينة . لأن السورة مكية .

وقال مجاهد : ظنوا أن الله عز وجل لا يعلم ما في صدورهم {[31860]} .

وقال الحسن : جهلوا أمر الله عز وجل {[31861]} {[31862]} .

ثم قال تعالى : { ألا حين يستغشون ثيابهم يعلم ما يسرون وما يعلنون }[ 5 ] أي : ألا حين يلبسون ثيابهم في ظلمة الليل ، في أجواف بيوتهم . يعلم ذلك الوقت سرهم وجهرهم {[31863]} .

{ إنه عليم بذات الصدور } وقيل : إن أحدهم كان يثني ظهره ، ويستغشي ثوبه {[31864]} ، وقيل {[31865]} : إنهم إنما كانوا يفعلون ذلك لئلا يسمعوا كتاب الله عز وجل . قاله {[31866]} قتادة .

وقيل {[31867]} : إن هذا إخبار من الله ( عز وجل ) {[31868]} عن المنافقين ، أنه يعلم ما تنطوي {[31869]} عليه صدورهم من الكفر . وقال ابن زيد : ( هذا حين يناجي {[31870]} بعضهم بعضا ) {[31871]} .

وقرأ ابن عباس : ( ينثوي ) {[31872]} صدورهم على مثال ( ينطوي {[31873]} . ) قال : كانوا لا يأتون النساء ، ولا الغائط إلا وقد {[31874]} تغشوا ثيابهم كراهة أن يفضوا بفروجهم إلى السماء ) {[31875]} .

وقيل : كان بعضهم ينحني {[31876]} على بعض ليُساره {[31877]} . وبلغ جهلهم أنهم ظنوا أن ذلك يحفى على الله سبحانه {[31878]} .

وروي عن ابن عباس أيضا أنه قرأ تنثوي {[31879]} . وعنه أيضا {[31880]} أنه قرأ : ( تثنوني ) {[31881]} ، مثل {[31882]} : تَفُعوعِلُ . ومعناه : المبالغة مثل ( احلولى ) {[31883]} : إذا بلغ الغاية {[31884]} في الحلاوة {[31885]} ، والهاء {[31886]} في ( منه ) للنبي صلى الله عليه وسلم ، على القول الأول ، وهي ( إنه لله عز وجل ، على القول الثاني .

وعن ابن عباس : ألا حين يستغشون ثيابهم : ( أي : يغطون رؤوسهم ) {[31887]} .

والوقف عند الأخفش {[31888]} ، والفراء ، وابن كيسان {[31889]} على ذات بالتاء ، لأن هذا الاسم لا يستعمل إلا مضافا . فصارت التاء في وسط الكلام . وعليه جماعة الفراء والوقف عند الكسائي بالهاء ، وهو قول الجرمي {[31890]} ، لأنه ثانية الأسماء ، وهو اختيار أبي حاتم .

{ ليستخفوا منه } وقف {[31891]} . { وما يعلنون } ، وقف {[31892]}/ .


[31850]:ط: صم.
[31851]:انظر هذا الخبر في: جامع البيان: 15/233-234.
[31852]:ط: صم.
[31853]:ق: وبعضه. وهو قول الفراء في: معانيه 2/3.
[31854]:ق: وبعضه أعلمهم.
[31855]:ساقط من ق.
[31856]:ط: تنطوا, ق: تطوي.
[31857]:ط: عن.
[31858]:ق: ليستثروا.
[31859]:انظر هذا القول في: تفسير مجاهد 384، ومعاني الزجاج 3/38-39.
[31860]:انظر هذا القول في: جامع البيان 15/235.
[31861]:ساقط من ق.
[31862]:انظر هذا القول في: تفسير مجاهد 384، ومعاني الزجاج 3/38.
[31863]:انظر هذا التوجيه في: جامع البيان 15/235.
[31864]:وهو قول أبي رزين في جامع البيان 15/235.
[31865]:انظر: جامع البيان 15/235.
[31866]:ق: قال قتادة.
[31867]:انظر هذا القول في: جامع البيان 15/235-236.
[31868]:ساقط من ق.
[31869]:ق: يطوي.
[31870]:ق: خبر ينادي.
[31871]:انظر هذا القول في: جامع البيان 15/236.
[31872]:ط : يطري. وانظر هذه القراءة في: المحرر 9/107، حيث عزاها إلى نصر بن عاصم، ويحيى ابن يعمر، وابن أبي إسحاق.
[31873]:ط: تنطوي.
[31874]:ق: قد.
[31875]:ق: النساء. وانظر هذا الخبر في: جامع البيان 15/236، وإعراب النحاس 2/272.
[31876]:ق: ينجنى.
[31877]:ق: ليسارة.
[31878]:انظر هذا القول في: إعراب النحاس 2/272.
[31879]:ط: تنوي ولم أجد أثرا لهذه القراءة بهذا الوجه. والقراءات الشاذة الأخرى عداها هي (تثنؤن) وقرأ بها عون الأعمش، وعمر بن حدير (تثنون)، وقرأ بها جعفر بن أبي المغيرة، و(لتثنوني) بزيادة اللام، و(يثنوني) وقرأ بهما ابن عباس. انظر: شواذ القرآن 64، والمحرر 9/107.
[31880]:ساقط من ط.
[31881]:في النسختين معا تنوي. والتصويب من الطبري، وابن خالويه.
[31882]:ساقط من ق.
[31883]:ق: أحلول.
[31884]:ساقطة من النسختين، والتصويب من الزجاج.
[31885]:وهو قول الزجاج في: معانيه 3/39.
[31886]:ط: إلى.
[31887]:انظر هذا القول في: جامع البيان 15/239.
[31888]:ق: الأخفش.
[31889]:هو أبو الحسن محمد بن أحمد كيسان، مقرئ، ونحوي، أخذ عن المبرد (ت 299 هـ) انظر: طبقات النحويين 171، وتذكرة الحفاظ 1/90.
[31890]:وهو أبو عمر صالح بن إسحاق الجرمي، النحوي، البصري، روى عن الأخفش، وعن أبي عبيدة، والأصمعي (ت225) انظر: أنباء الرواة 2/80.
[31891]:انظر هذا الوقف تاما: عند نافع، وأحمد بن جعفر في: القطع 384، وكافيا عند الداني في: المكتفى 313 وحسنا عند أبي يحيى في: المقصد 45.
[31892]:وهو وقف صالح في: القطع 384، وكاف في: المكتفى 313، والمقصد 45.