السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{أَلَآ إِنَّهُمۡ يَثۡنُونَ صُدُورَهُمۡ لِيَسۡتَخۡفُواْ مِنۡهُۚ أَلَا حِينَ يَسۡتَغۡشُونَ ثِيَابَهُمۡ يَعۡلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعۡلِنُونَۚ إِنَّهُۥ عَلِيمُۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ} (5)

واختلفوا في سبب نزول قوله تعالى : { ألا إنهم يثنون صدورهم } فقال ابن عباس : نزلت في الأخنس بن شريق وكان رجلاً حلو الكلام حلو المنظر يلقى رسول الله صلى الله عليه وسلم بما يحب وينطوي بقلبه على ما يكره فمعنى قوله تعالى : { يثنون صدورهم } يخفون ما في صدورهم من الشحناء والعداوة . وقال عبد الله بن شدّاد : نزلت في بعض المنافقين كان إذا مرّ برسول الله صلى الله عليه وسلم ثنى صدره وظهره وطأطأ رأسه وغطى وجهه كي لا يراه النبيّ صلى الله عليه وسلم وقال قتادة : كانوا يحنون ظهورهم كي لا يسمعوا كلام الله تعالى ولا ذكره . وروى البخاري عن ابن عباس أنها نزلت فيمن كان يستحي أن يتخلى أو يجامع فيفضي إلى السماء . وقيل : كان الرجل من الكفار يدخل بيته ويرخي ستره ويتغشى بثوبه ويقول : هل يعلم الله ما في قلبي . وقال السدي : يثنون صدورهم : أي : يعرضون بقلوبهم من قولهم ثنيت عناني { ليستخفوا منه } أي : من الله تعالى بسرهم فلا يطلع رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنون عليه . وقيل : من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد قيل : إنها نزلت في طائفة من المشركين قالوا : إن أرخينا علينا ستوراً واستغشينا ثياباً وطوينا صدورنا على عداوة محمد كيف يعلم { ألا حين يستغشون ثيابهم } أي : يأوون إلى فراشهم ويتغطون بثيابهم { يعلم } تعالى { ما يسرّون } في قلوبهم { وما يعلنون } بأفواههم ، أي : أنه لا تفاوت في علمه تعالى بين إسرارهم وإعلانهم ، فلا وجه لتوصلهم إلى ما يريدون من الإخفاء { إنه } تعالى { عليم بذات الصدور } أي : بالقلوب وأحوالها .