الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{أَلَآ إِنَّهُمۡ يَثۡنُونَ صُدُورَهُمۡ لِيَسۡتَخۡفُواْ مِنۡهُۚ أَلَا حِينَ يَسۡتَغۡشُونَ ثِيَابَهُمۡ يَعۡلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعۡلِنُونَۚ إِنَّهُۥ عَلِيمُۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ} (5)

وقوله سبحانه : { أَلاَ إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ } [ هود : 5 ] .

قيل : إِن هذه الآية نزلَتْ في الكفَّار الذين كانوا إِذا لقيهم النبيُّ صلى الله عليه وسلم تَطَامَنُوا وَثَنَوْا صُدُورهم ؛ كالمتستِّر ، ورَدُّوا إِليه ظهورَهُم ، وغَشُوا وجوهَهُمْ بثيابهم ، تباعداً منهم ، وكراهيةً للقائه ، وهم يَظُنُّون أنَّ ذلك يخفَى عليه ، أوْ عن اللَّه عزَّ وجلَّ ، وقيل : هي استعارة للْغِلِّ والحِقْدِ الذي كانوا يَنْطَوُونَ عليه ، فمعنى الآية : أَلاَ إِنهم يُسِرُّون العداوةَ ، ويَتَكَتَّمون بها ، لِتَخْفى في ظَنِّهِم عن اللَّه وهو سبحانه حينَ تغشِّيهم بثيابهم ، وبلاغِهِم في التستُّر ، يعلَمُ ما يُسرُّون ، و{ يَسْتَغْشُونَ } معناه يجعلونها أغشيةً وأغطيةً .

قال ( ص ) : قرأ الجمهور : «يَثْنُونَ » بفتح الياء مضارع ثَنَى الشَّيْءَ ثَنْياً طَوَاهُ . انتهى ، وقرأ ابن عبَّاس وجماعة : «تَثْنَوْنِي صُدُورُهُمْ » بالرفْعِ ؛ على وزن «تَفْعَوْعِلُ » ، وهي تحتملُ المعنيين المتقدِّمين ، وحكى الطبريُّ عن ابن عبَّاس على هذه القراءة . أنَّ هذه الآية نزَلَتْ في قومٍ كانوا لا يأتون النساءَ والحَدَثَ إِلاَّ ويستَغْشُونَ ثيابهم ؛ كراهيةَ أنْ يُفْضُوا بفروجهم إِلى السماء .