قوله تعالى : { ذلك الذي } ذكرت من نعيم الجنة ، { يبشر الله به عباده الذين آمنوا وعملوا الصالحات } فإنهم أهله ، { قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى } أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أنبأنا أحمد ابن عبد الله النعيمي ، أنبأنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا محمد بن بشار ، حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، عن عبد الملك بن ميسرة قال : سمعت طاوساً عن ابن عباس رضي الله عنهما : أنه سئل عن قوله : { إلا المودة في القربى } قال سعيد بن جبير : قربى آل محمد صلى الله عليه وسلم ، فقال ابن عباس رضي الله عنهما : عجلت ، إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن بطن من قريش إلا كان له فيهم قرابة ، فقال : إلا أن تصلوا ما بيني وبينكم من القرابة . وكذلك روى الشعبي و طاوس عن ابن عباس رضي الله عنهما قال :( إلا المودة في القربى ) يعني : أن تحفظوا قرابتي وتودوني وتصلوا رحمي . وإليه ذهب مجاهد ، وقتادة ، وعكرمة ، ومقاتل ، والسدي ، والضحاك ، رضي الله عنهم . وقال عكرمة : لا أسألكم على ما أدعوكم إليه أجراً إلا أن تحفظوني في قرابتي بيني وبينكم ، وليس كما يقول الكاذبون . وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس في معنى الآية : إلا أن تودوا الله وتتقربوا إليه بطاعته ، وهذا قول الحسن ، قال : هو القربى إلى الله ، يقول : إلا التقرب إلى الله والتودد إليه بالطاعة والعمل الصالح . وقال بعضهم : معناه إلا أن تودوا قرابتي وعترتي وتحفظوني ، وهو قول سعيد بن جبير وعمرو بن شعيب . واختلفوا في قرابته فقيل : فاطمة الزهراء وعلي وابناهما ، وفيهم نزل : { إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت } ( الأحزاب-32 ) . وروينا عن يزيد بن حيان عن زيد بن أرقم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي " . قيل : لزيد بن أرقم : من أهل بيته ؟ قال : هم آل علي وآل عقيل وآل جعفر وآل عباس .
أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنبأنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنبأنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا عبد الله بن عبد الوهاب ، حدثنا خالد ، حدثنا شعبة عن واقد قال : سمعت أبي يحدث عن ابن عمر عن أبي بكر قال : ارقبوا محمداً في أهل بيته . وقيل : هم الذين تحرم عليهم الصدقة من أقاربه ويقسم فيهم الخمس ، وهم بنو هاشم ، وبنو المطلب ، الذين لم يتفرقوا في جاهلية ولا في إسلام . وقال قوم : هذه الآية منسوخة وإنما نزلت بمكة ، وكان المشركون يؤذون رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله هذه الآية فأمرهم فيها بمودة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وصلة رحمه ، فلما هاجر إلى المدينة وآواه الأنصار ونصروه أحب الله عز وجل أن يلحقه بإخوانه من الأنبياء عليهم السلام حيث قالوا : { وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين } ( الشعراء-109 ) فأنزل الله تعالى : { قل ما سألتكم من أجر فهو لكم إن أجري إلا على الله } ، فهي منسوخة بهذه الآية ، وبقوله : { قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكفلين } ( ص-86 ) ، وغيرها من الآيات . وإلى هذا ذهب الضحاك بن مزاحم ، والحسين بن الفضل . وهذا قول غير مرضي ، لأن مودة النبي صلى الله عليه وسلم وكف الأذى عنه ومودة أقاربه ، والتقرب إلى الله بالطاعة ، والعمل الصالح من فرائض الدين ، وهذه أقاويل السلف في معنى الآية ، فلا يجوز المصير إلى نسخ شيء من هذه الأشياء . وقوله : ( إلا المودة في القربى ) ، ليس باستثناء متصل بالأول حتى يكون ذلك أجراً في مقابلة أداء الرسالة ، بل هو منقطع ، ومعناه : ولكني أذكركم المودة في القربى وأذكركم قرابتي منكم ، كما روينا في حديث زيد بن أرقم : " أذكركم الله في أهل بيتي " . قوله عز وجل : { ومن يقترف حسنةً نزد له فيها حسناً } أي : من يكتسب طاعة نزد له فيها حسناً بالتضعيف ، { إن الله غفور } للذنوب ، { شكور } للقليل حتى يضاعفها .
( ذلك الذي يبشر الله عباده )فهو بشرى حاضرة ، مصداقاً للبشرى السالفة . وظل البشرى هنا هو أنسب الظلال .
وعلى مشهد هذا النعيم الرخاء الجميل الظليل يلقن الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] أن يقول لهم : إنه لا يطلب منهم أجراً على الهدى الذي ينتهي بهم إلى هذا النعيم ، وينأى بهم عن ذلك العذاب الأليم . إنما هي مودته لهم لقرابتهم منه ، وحسبه ذلك أجراً :
( قل : لا أسألكم عليه أجرا . إلا المودة في القربى . ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا . إن الله غفور شكور ) . .
والمعنى الذي أشرت إليه ، وهو أنه لا يطلب منهم أجرا ، إنما تدفعه المودة للقربى - وقد كانت لرسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] قرابة بكل بطن من بطون قريش - ليحاول هدايتهم بما معه من الهدى ، ويحقق الخير لهم إرضاء لتلك المودة التي يحملها لهم ، وهذا أجره وكفى !
هذا المعنى هو الذي انقدح في نفسي وأنا أقرأ هذا التعبير القرآني في مواضعه التي جاء فيها . وهناك تفسير مروي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أثبته هنا لوروده في صحيح البخاري :
قال البخاري حدثنا محمد بن بشار ، حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة عن عبد الملك بن ميسرة ، قال :
سمعت طاووسا يحدث عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه سأل عن قوله تعالى : ( إلا المودة في القربى )فقال سعيد بن جبير : " قربى آل محمد . فقال ابن عباس : عجلت . إن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لم يكن بطن من بطون قريش إلا كان له فيهم قرابة . فقال : " إلا أن تصلوا ما بيني وبينكم من القرابة " .
ويكون المعنى على هذا : إلا أن تكفوا أذاكم مراعاة للقرابة . وتسمعوا وتلينوا لما أهديكم إليه . فيكون هذا هو الأجر الذي أطلبه منكم لا سواه .
وتأويل ابن عباس - رضي الله عنهما - أقرب من تأويل سعيد بن جبير - رضي الله عنه - ولكنني ما أزال أحس أن ذلك المعنى أقرب وأندى . . والله أعلم بمراده منا .
وعلى أية حال فهو يذكرهم - أمام مشهد الروضات والبشريات - أنه لا يسألهم على شيء من هذا أجراً . ودون هذا بمراحل يطلب عليه الأدلاء أجرا ضخماً ! ولكنه فضل الله الذي لا يحاسب العباد حساب التجارة ، ولا حساب العدل ، ولكن حساب السماحة وحساب الفضل :
( ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا ) . .
فليس هو مجرد عدم تناول الأجر . بل إنها الزيادة والفضل . . ثم هي بعد هذا كله المغفرة والشكر :
الله يغفر . ثم . . الله يشكر ويشكر من ? يشكر لعباده . وهو وهبهم التوفيق على الإحسان . ثم هو يزيد لهم في الحسنات ، ويغفر لهم السيئات . ويشكر لهم بعد هذا وذاك . . فيا للفيض الذي يعجز الإنسان عن متابعته . فضلاً على شكره وتوفيته !
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.