الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{ذَٰلِكَ ٱلَّذِي يُبَشِّرُ ٱللَّهُ عِبَادَهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِۗ قُل لَّآ أَسۡـَٔلُكُمۡ عَلَيۡهِ أَجۡرًا إِلَّا ٱلۡمَوَدَّةَ فِي ٱلۡقُرۡبَىٰۗ وَمَن يَقۡتَرِفۡ حَسَنَةٗ نَّزِدۡ لَهُۥ فِيهَا حُسۡنًاۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ شَكُورٌ} (23)

وأخرج أحمد وعبد بن حميد والبخاري ومسلم والترمذي وابن جرير وابن مردويه من طريق طاوس ، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه سئل عن قوله { إلا المودة في القربى } فقال سعيد بن جبير : - رضي الله عنه - قربى آل محمد ، فقال ابن عباس : - رضي الله عنهما - عجلت أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن بطن من قريش ، إلا كان له فيهم قرابة ، فقال : إلا أن تصلوا ما بيني وبينكم من القرابة .

وأخرج ابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه من طريق سعيد بن جبير ، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : « لا أسألكم عليه أجراً إلا أن تودوني في نفسي لقرابتي منكم ، وتحفظوا القرابة التي بيني وبينكم » .

وأخرج سعيد بن منصور وابن سعد وعبد بن حميد والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في الدلائل ، عن الشعبي - رضي الله عنه - قال : أكثر الناس علينا في هذه الآية { قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى } فكتبنا إلى ابن عباس - رضي الله عنه - نسأله ، فكتب ابن عباس - رضي الله عنهما - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كان واسط النسب لي قريش ، ليس بطن من بطونهم ، إلا وقد ولدوه ، فقال الله { قل لا أسألكم عليه أجراً } على ما أدعوكم إليه { إلا المودة في القربى } تودوني لقرابتي منكم وتحفظوني بها .

وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني من طريق علي ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { إلا المودة في القربى } قال : كان لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - قرابة من جميع قريش ، فلما كذبوه وأبوا أن يبايعوه ، قال : يا قوم ، " إذا أبيتم أن تبايعوني فاحفظوا قرابتي فيكم ولا يكون غيركم من العرب أولى بحفظي ونصرتي منكم " .

وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه من طريق الضحاك ، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : نزلت هذه الآية بمكة . وكان المشركون يؤذون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأنزل الله تعالى : { قل } لهم يا محمد ، { لا أسألكم عليه } يعني على ما أدعوكم إليه { أجراً } عوضاً من الدنيا { إلا المودة في القربى } إلا الحفظ لي في قرابتي فيكم ، قال : المودة إنما هي لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - في قرابته ، فلما هاجر إلى المدينة أحب أن يلحقه بإخوته من الأنبياء - عليهم السلام - فقال : { لا أسألكم عليه أجراً } فهو لكم { إن أجري إلا على الله } يعني ثوابه وكرامته في الآخرة ، كما قال نوح عليه السلام { وما أسألكم عليه من أجر أن أجري إلا على رب العالمين } [ الشعراء : 109 ] وكما قال هود وصالح وشعيب : لم يستثنوا أجراً ، كما استثنى النبي صلى الله عليه وسلم ، فرده عليهم . وهي منسوخة .

وأخرج أحمد وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه وابن مردويه من طريق مجاهد - رضي الله عنه - عن ابن عباس - رضي الله عنهما - عن النبي صلى الله عليه وسلم في الآية { قل لا أسألكم } على ما أتيتكم به من البينات والهدى { أجراً } إلا أن تودوا الله ، وأن تتقربوا إليه بطاعته .

وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر ، عن مجاهد - رضي الله عنه - في قوله : { قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى } قال : أن تتبعوني وتصدقوني وتصلوا رحمي .

وأخرج عبد بن حميد وابن مردويه من طريق العوفي ، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - في الآية قال : إن محمداً قال : لقريش : « لا أسألكم من أموالكم شيئاً ، ولكن أسألكم أن تودوني لقرابة ما بيني وبينكم فإنكم قومي وأحق من أطاعني وأجابني » .

وأخرج ابن مردويه من طريق ابن المبارك ، عن ابن عباس في قوله : { إلا المودة في القربى } قال : تحفظوني في قرابتي .

وأخرج ابن مردويه من طريق عكرمة ، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - في الآية - قال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن في قريش بطن إلا وله فيهم أم ، حتى كانت له من هذيل أم ، فقال الله : { قل لا أسألكم عليه أجراً } إلا أن تحفظوني في قرابتي ، إن كذبتموني فلا تؤذوني .

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه من طريق مقسم ، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : قالت الأنصار : فعلنا وفعلنا وكأنهم فخروا ، فقال ابن عباس - رضي الله عنهما - لنا الفضل عليكم ، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأتاهم في مجالسهم ، فقال يا معشر الأنصار ، ألم تكونوا أذلة فأعزكم الله ؟ قالوا : بلى يا رسول الله ، قال : أفلا تجيبوني ؟ قالوا : ما تقول يا رسول الله ؟ قال : ألا تقولون ألم يخرجك قومك فآويناك ؟ أو لم يكذبوك فصدقناك ؟ أو لم يخذلوك فنصرناك ؟ فما زال يقول : حتى جثوا على الركب ، وقالوا : أموالنا وما في أيدينا لله ورسوله ، فنزلت { قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى } » .

وأخرج الطبراني في الأوسط وابن مردويه بسند ضعيف من طريق سعيد بن جبير ، قال : قالت الأنصار فيما بينهم : لولا جمعنا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - مالاً يبسط يده لا يحول بينه وبينه أحد ، فقالوا : يا رسول الله ، إنا أردنا أن نجمع لك من أموالنا ، فأنزل الله : { قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى } فخرجوا مختلفين ، فقالوا : لمن ترون ما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ فقال بعضهم : إنما قال هذا ، لنقاتل عن أهل بيته ، وننصرهم . فأنزل الله : { أم يقولون افترى على الله كذباً } إلى قوله { وهو الذي يقبل التوبة عن عباده } فعرض لهم بالتوبة إلى قوله : { ويستجيب الذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله } هم الذين قالوا هذا : أن يتوبوا إلى الله ويستغفرونه .

وأخرج أبو نعيم والديلمي من طريق مجاهد ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « { لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى } » أن تحفظوني في أهل بيتي وتودّوهم بي » .

وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه بسند ضعيف من طريق سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : لما نزلت هذه الآية { قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى } قالوا : يا رسول الله ، من قرابتك هؤلاء الذين وجبت مودتهم ؟ قال : علي وفاطمة وولداها .

وأخرج سعيد بن منصور ، عن سعيد بن جبير { إلا المودة في القربى } قال : قربى رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وأخرج ابن جرير عن أبي الديلم ، قال : لما جيء بعلي بن الحسين - رضي الله عنه - أسيراً ، فأقيم على درج دمشق ، قام رجل من أهل الشام فقال : الحمد لله الذي قتلكم واستأصلكم ، فقال له علي بن الحسين - رضي الله عنه - أقرأت القرآن ؟ قال : نعم . قال : أقرأت آل حم ؟ قال : لا . قال : أما قرأت { قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى } قال : فإنكم لأنتم هم ؟ قال : نعم .

وأخرج ابن أبي حاتم ، عن ابن عباس { ومن يقترف حسنة } قال : المودة لآل محمد .

وأخرج أحمد والترمذي وصححه والنسائي والحاكم ، عن المطلب بن ربيعة - رضي الله عنه - قال : دخل العباس على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : إنا لنخرج فنرى قريشاً تحدث ، فإذا رأونا سكتوا ، فغصب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ودر عرق بين عينيه ، ثم قال : " والله لا يدخل قلب امرئ مسلم إيمان ، حتى يحبكم لله ولقرابتي " .

وأخرج مسلم والترمذي والنسائي ، عن زيد بن أرقم : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « أذكركم الله في أهل بيتي » .

وأخرج الترمذي وحسنه وابن الأنباري في المصاحف ، عن زيد بن أرقم - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي ، أحدهما أعظم من الآخر ، كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض ، وعترتي أهل بيتي ، ولن يتفرقا حتى يردا عليّ الحوض ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما » .

وأخرج الترمذي وحسنه والطبراني والحاكم والبيهقي في الشعب ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « أحبوا الله لما يغذوكم به من نعمه ، وأحبوني لحب الله ، وأحبوا أهل بيتي لحبي » .

وأخرج البخاري ، عن أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - قال : أرقبوا محمداً - صلى الله عليه وسلم - في أهل بيته .

وأخرج ابن عدي ، عن أبي سعيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « من أبغضنا أهل البيت فهو منافق » .

وأخرج الطبراني ، عن الحسن بن علي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « لا يبغضنا أحد ولا يحسدنا أحد ، إلا ذيد يوم القيامة بسياط من نار » .

وأخرج أحمد وابن حبان والحاكم ، عن أبي سعيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « والذي نفسي بيده لا يبغضنا أهل البيت رجل ، إلا أدخله الله النار » .

وأخرج الطبراني والخطيب من طريق أبي الضحى ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : « جاء العباس إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : إنك قد تركت فينا ضغائن منذ صنعت الذي صنعت ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " لا يبلغوا الخير أو الإِيمان حتى يحبوكم " .

وأخرج الخطيب من طريق أبي الضحى ، عن مسروق ، عن عائشة - رضي الله عنها - قالت : « أتى العباس بن عبد المطلب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا رسول الله ، إنا لنعرف الضغائن في أناس من قومنا ؛ من وقائع أوقعناها ، فقال : » أما والله إنهم لن يبلغوا خيراً حتى يحبوكم ، لقرابتي ، ترجو سليم شفاعتي ، ولا يرجوها بنو عبد المطلب » .

وأخرج ابن النجار في تاريخه ، عن الحسن بن علي - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « لكل شيء أساس وأساس الإِسلام حب أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحب أهل بيته » .

وأخرج عبد بن حميد ، عن الحسن - رضي الله عنه - في قوله : { قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى } قال : ما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يسألهم على هذا القرآن أجراً ، ولكنه أمرهم أن يتقربوا إلى الله ؛ بطاعته وحب كتابه .

وأخرج البيهقي في شعب الإِيمان ، عن الحسن - رضي الله عنه - في الآية ، قال : كل من تقرب إلى الله بطاعته وجبت عليه محبته .

وأخرج عبد بن حميد ، عن الحسن في قوله : { إلا المودة في القربى } قال : إلا التقرب إلى الله بالعمل الصالح .

وأخرج عبد بن حميد ، عن عكرمة في الآية ، قال : كن له عشر أمهات في المشركات ، وكان إذا مر بهم أذوه في تنقيصهن وشتمهن ، فهو قوله : { إلا المودة في القربى } يقول : لا تؤذوني في قرابتي .

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر ، عن قتادة - رضي الله عنه - في قوله : { إن الله غفور شكور } قال : غفور للذنوب شكور للحسنات يضاعفها .