مدارك التنزيل وحقائق التأويل للنسفي - النسفي  
{ذَٰلِكَ ٱلَّذِي يُبَشِّرُ ٱللَّهُ عِبَادَهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِۗ قُل لَّآ أَسۡـَٔلُكُمۡ عَلَيۡهِ أَجۡرًا إِلَّا ٱلۡمَوَدَّةَ فِي ٱلۡقُرۡبَىٰۗ وَمَن يَقۡتَرِفۡ حَسَنَةٗ نَّزِدۡ لَهُۥ فِيهَا حُسۡنًاۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ شَكُورٌ} (23)

{ ذلك } أي الفضل الكبير { الذى يُبَشِّرُ الله } { يَبْشُر } مكي وأبو عمرو وحمزة وعلي { عِبَادَهُ الذين ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات } أي به عباده الذين آمنوا فحذف الجار كقوله { واختار موسى قَوْمَهُ } [ الأعراف : 155 ] ثم حذف الراجع إلى الموصول كقوله { أهذا الذى بَعَثَ الله رَسُولاً } [ الفرقان : 41 ] . ولما قال المشركون : أيبتغي محمد على تبليغ الرسالة أجراً نزل { قُل لاَّ أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ } على التبليغ { أَجْراً إِلاَّ المودة فِى القربى } يجوز أن يكون استثناء متصلاً أي لا أسألكم عليه أجراً إلا هذا وهو أن تودوا أهل قرابتي ، ويجوز أن يكون منقطعاً أي لا أسألكم عليه أجراً قط ولكني أسألكم أن تودوا قرابتي الذين هم قرابتكم ولا تؤذوهم . ولم يقل إلا مودة القربى أو المودة للقربى لأنهم جعلوا مكاناً للمودة ومقراً لها كقولك «لي في آل فلان مودة ولي فيهم حب شديد » تريد أحبهم وهم مكان حبي ومحله . وليست «في » بصلة ل { المودة } كاللام إذا قلت إلا المودة للقربى ، إنما هي متعلقة بمحذوف تعلق الظرف به في قولك «المال في الكيس » وتقديره إلا المودة ثابتة في القربى ومتمكنة فيها . والقربى مصدر كالزلفى والبشرى بمعنى القرابة ، والمراد في أهل القربى . ورُوي أنه لما نزلت قيل : يا رسول الله من قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودتهم ؟ قال : علي وفاطمة وابناهما . وقيل : معناه إلا أن تودوني لقرابتي فيكم ولا تؤذوني ولا تهيجوا علي إذ لم يكن من بطون قريش إلا بين رسول الله وبينهم قرابة . وقيل : القربى التقرب إلى الله تعالى أي إلا أن تحبوا الله ورسوله في تقربكم إليه بالطاعة والعمل الصالح { وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً } يكتسب طاعة . عن السدي : أنها المودة في آل رسول الله صلى الله عليه وسلم نزلت في أبي بكر رضي الله عنه ومودته فيهم والظاهر العموم في أي حسنة كانت إلا أنها تتناول المودة تناولاً أولياً لذكرها عقيب ذكر المودة في القربى .

{ نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً } أي نضاعفها كقوله { مَّن ذَا الذى يُقْرِضُ الله قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً } [ البقرة : 245 ] وقرىء { حسنى } وهو مصدر كالبشرى والضمير يعود إلى الحسنة أو إلى الجنة { إِنَّ الله غَفُورٌ } لمن أذنب بطوله { شَكُورٌ } لمن أطاع بفضله . وقيل : قابل للتوبة حامل عليها . وقيل : الشكور في صفة الله تعالى عبارة عن الاعتداد بالطاعة وتوفية ثوابها والتفضل على المثاب