معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَهُوَ ٱلَّذِي يَبۡدَؤُاْ ٱلۡخَلۡقَ ثُمَّ يُعِيدُهُۥ وَهُوَ أَهۡوَنُ عَلَيۡهِۚ وَلَهُ ٱلۡمَثَلُ ٱلۡأَعۡلَىٰ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ} (27)

قوله تعالى : { وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده } يخلقهم أولاً ثم يعيدهم بعد الموت للبعث ، { وهو أهون عليه } قال الربيع بن خثيم ، وقتادة والكلبي : أي : هو هين عليه وما شيء عليه بعزيز ، وهو رواية العوفي عن ابن عباس . وقد يجيء أفعل بمعنى الفاعل كقول الفرزدق .

إن الذي سمك السماء بنى لنا *** بيتاً دعائمه أعز وأطول

أي : عزيزة طويلة . وقال مجاهد وعكرمة : وهو أهون عليه : أي : أيسر ، ووجهه أنه على طريق ضرب المثل ، أي : هو أهون عليه على ما يقع في عقولكم ، فإن الذي يقع في عقول الناس أن الإعادة تكون أهون من الإنشاء ، أي : الابتداء . وقيل : هو أهون عليه عندكم . وقيل : وهو أهون عليه ، أي : على الخلق ، يقومون بصيحة واحدة ، فيكون أهون عليهم من أن يكونوا نطفاً ، ثم علقاً ثم مضغاً إلى أن يصيروا رجالاً ونساءً ، وهذا معنى رواية ابن حبان عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس . { وله المثل الأعلى } أي : الصفة العليا { في السموات والأرض } قال ابن عباس : هي أنه ليس كمثله شيء . وقال قتادة : هي أنه لا إله إلا هو ، { وهو العزيز } في ملكه ، { الحكيم } في خلقه .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَهُوَ ٱلَّذِي يَبۡدَؤُاْ ٱلۡخَلۡقَ ثُمَّ يُعِيدُهُۥ وَهُوَ أَهۡوَنُ عَلَيۡهِۚ وَلَهُ ٱلۡمَثَلُ ٱلۡأَعۡلَىٰ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ} (27)

{ وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ } أي : الإعادة للخلق بعد موتهم { أَهْوَنُ عَلَيْهِ } من ابتداء خلقهم وهذا بالنسبة إلى الأذهان والعقول ، فإذا كان قادرا على الابتداء الذي تقرون به كانت{[648]} قدرته على الإعادة التي أهون أولى وأولى .

ولما ذكر من الآيات العظيمة ما به يعتبر المعتبرون ويتذكر المؤمنون ويتبصر المهتدون ذكر الأمر العظيم والمطلب الكبير فقال : { وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ } وهو كل صفة كمال ، والكمال من تلك الصفة والمحبة والإنابة التامة الكاملة في قلوب عباده المخلصين والذكر الجليل والعبادة منهم . فالمثل الأعلى هو وصفه الأعلى وما ترتب عليه .

ولهذا كان أهل العلم يستعملون في حق الباري قياس الأولى ، فيقولون : كل صفة كمال في المخلوقات فخالقها أحق بالاتصاف بها على وجه لا يشاركه فيها أحد ، وكل نقص في المخلوق ينزه عنه فتنزيه الخالق عنه من باب أولى وأحرى .

{ وَهُوَ الْعَزِيزُ الحكيم } أي : له العزة الكاملة والحكمة الواسعة ، فعزته أوجد بها المخلوقات وأظهر المأمورات ، وحكمته أتقن بها ما صنعه وأحسن فيها ما شرعه .


[648]:- في النسختين: كان.
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَهُوَ ٱلَّذِي يَبۡدَؤُاْ ٱلۡخَلۡقَ ثُمَّ يُعِيدُهُۥ وَهُوَ أَهۡوَنُ عَلَيۡهِۚ وَلَهُ ٱلۡمَثَلُ ٱلۡأَعۡلَىٰ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ} (27)

وقوله : وَهُوَ الّذِي يَبْدَأُ الخَلْقَ ثُمّ يُعِيدُهُ يقول تعالى ذكره : والذي له هذه الصفات تبارك وتعالى ، هو الذي يبدأ الخلق من غير أصل فينشئه ويوجده ، بعد أن لم يكن شيئا ، ثم يفنيه بعد ذلك ، ثم يعيده ، كما بدأه بعد فنائه ، وهو أهون عليه .

اختلف أهل التأويل ، في معنى قوله : وَهُوَ أهْوَنُ عَلَيْهِ فقال بعضهم : معناه : وهو هين عليه . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا يحيى بن سعيد العطار ، عن سفيان عمن ذكره ، عن منذر الثوريّ ، عن الربيع بن خَيْثم وَهُوَ أهْوَنُ عَلَيْهِ قال : ما شيء عليه بعزيز .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله وَهُوَ الّذِي يَبْدَأُ الخَلْقَ ثُمّ يُعِيدُهُ ، وَهُوَ أهْوَنُ عَلَيْهِ يقول : كلّ شيء عليه هين .

وقال آخرون : معناه : وإعادة الخلق بعد فنائهم أهون عليه من ابتداء خلقهم . ذكر من قال ذلك :

حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله وَهُوَ أهْوَنُ عَلَيْهِ قال : يقول : أيسر عليه .

حدثنا محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : وَهُوَ أهْوَنُ عَلَيْهِ قال : الإعادة أهون عليه من البداءة ، والبداءة عليه هين .

حدثني ابن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن سماك ، عن عكرِمة قرأ هذا الحرف وَهُوَ الّذِي يَبْدَأُ الخَلْقَ ثُمّ يُعِيدُهُ ، وَهُوَ أهْوَنُ عَلَيْهِ قال : تعجب الكفار من إحياء الله الموتى ، قال : فنزلت هذه الاَية وَهُوَ الّذِي يَبْدَأُ الخَلْقَ ثُمّ يُعِيدُهُ ، وَهُوَ أهْوَنُ عَلَيْهِ إعادة الخلق أهون عليه من إبداء الخلق .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا غندر ، عن شعبة ، عن سماك ، عن عكرمة بنحوه ، إلاّ أنه قال : إعادة الخلق أهون عليه من ابتدائه .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قَتادة ، قوله وَهُوَ أهْوَنُ عَلَيْهِ : يقول : إعادته أهون عليه من بدئه ، وكلّ على الله هين . وفي بعض القراءة : وكلّ على الله هين .

وقد يحتمل هذا الكلام وجهين ، غير القولين اللذين ذكرت ، وهو أن يكون معناه : وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده ، وهو أهون على الخلق : أي إعادة الشيء أهون على الخلق من ابتدائه . والذي ذكرنا عن ابن عباس في الخبر الذي حدثني به ابن سعد ، قول أيضا له وجه .

وقد وجّه غير واحد من أهل العربية قول ذي الرّمة :

أخي قَفَرَاتٍ دَبّبَتْ فِي عِظامه *** شُفافاتُ أعْجاز الكَرَى فهْوَ أخْضَعُ

إلى أنه بمعنى خاضع وقول الاَخر :

لَعَمْرُكَ إنّ الزّبْرَقانَ لَباذِلٌ *** لمَعْروفِه عِنْدَ السّنِينَ وأفْضَلُ

كَرِيمٌ لَه عَنْ كُلّ ذَمّ تَأَخّرٌ *** وفِي كُلّ أسْبابِ المَكارِمِ أوّلُ

إلى أنه بمعنى : وفاضل وقول معن :

لَعَمْرُكَ ما أدْرِي وإنّي لأَوْجَلُ *** على أيّنا تَعْدُو المَنِيّةُ أوّلُ

إلى أنه بمعنى : وإني لوجل وقول الاَخر :

تَمَنّى مُرَىْءُ القَيْسِ مَوْتي وإنْ أمُتْ *** فَتِلكَ سَبِيلٌ لَسْتُ فِيها بأوْحَدِ

إلى أنه بمعنى : لست فيها بواحد وقول الفرزدق :

إنّ الّذِي سَمَكَ السّماءَ بَنى لَنا *** بَيْتا دَعائمُهُ أعَزّ وأطْوَلُ

إلى أنه بمعنى : عزيزة طويلة . قالوا : ومنه قولهم في الأذان : الله أكبر ، بمعنى : الله كبير وقالوا : إن قال قائل : إن الله لا يوصف بهذا ، وإنما يوصف به الخلق ، فزعم أنه وهو أهون على الخلق ، فإن الحجة عليه قول الله : وكانَ ذلكَ على اللّهِ يَسِيرا ، وقوله : وَلا يَئُودُهُ حِفْظُهُما : أي لا يثقله حفظهما .

وقوله : وَلَهُ المَثَلُ الأعْلَى يقول : ولله المثل الأعلى في السموات والأرض ، وهو أنه لا إله إلاّ هو وحده لا شريك له ، ليس كمثله شيء ، فذلك المثل الأعلى ، تعالى ربنا وتقدّس . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله وَلَهُ المَثَلُ الأعْلَى فِي السّمَوَاتِ يقول : ليس كمثله شيء .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله وَلَهُ المَثَلُ الأعْلَى فِي السّمَوَاتِ والأرْضِ مثله أنه لا إله إلاّ هو ، ولا ربّ غيره .

وقوله : وَهُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ يقول تعالى ذكره : وهو العزيز في انتقامه من أعدائه ، الحكيم في تدبيره خلقه ، وتصريفهم فيما أراد من إحياء وإماتة ، وبعث ونشر ، وما شاء .