فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَهُوَ ٱلَّذِي يَبۡدَؤُاْ ٱلۡخَلۡقَ ثُمَّ يُعِيدُهُۥ وَهُوَ أَهۡوَنُ عَلَيۡهِۚ وَلَهُ ٱلۡمَثَلُ ٱلۡأَعۡلَىٰ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ} (27)

{ وَهُوَ الذي يَبْدَأُ الخلق ثُمَّ يُعِيدُهُ } بعد الموت فيحييه الحياة الدائمة { وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ } أي هين عليه لا يستصعبه ، أو أهون عليه بالنسبة إلى قدرتكم ، وعلى ما يقوله بعضكم لبعض ، وإلاّ فلا شيء في قدرته بعضه أهون من بعض ، بل كل الأشياء مستوية يوجدها بقوله : كن فتكون . قال أبو عبيد : من جعل أهون عبارة عن تفضيل شيء على شيء ، فقوله مردود بقوله : { وَكَانَ ذلك عَلَى الله يَسِيراً } [ النساء : 30 ] ، وبقوله : { وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا } [ البقرة : 255 ] والعرب تحمل أفعل على فاعل كثيراً ، كما في قول الفرزدق :

إن الذي سمك السماء بنى لنا *** بيتاً دعائمه أعزّ وأطول

أي عزيزة طويلة ، وأنشد أحمد بن يحيى ثعلب على ذلك :

تمنى رجال أن أموت وإن أمت *** فتلك سبيل لست فيها بأوحد

أي لست بواحد ، ومثله قول الآخر :

لعمرك إن الزبرقان لباذل *** لمعروفه عند السنين وأفضل

أي وفاضل ، وقرأ عبد الله بن مسعود : " وهو عليه هين " . وقال مجاهد وعكرمة والضحاك : إن الإعادة أهون عليه ، أي على الله من البداية ، أي أيسر ، وإن كان جميعه هيناً . وقيل : المراد أن الإعادة فيما بين الخلق أهون من البداية ، وقيل : الضمير في { عليه } للخلق ، أي وهو أهون على الخلق ؛ لأنه يصاح بهم صيحة واحدة فيقومون ، ويقال لهم : كونوا فيكونون ، فلذلك أهون عليهم من أن يكونوا نطفة ثم علقة ثم مضغة إلى آخر النشأة { وَلَهُ المثل الأعلى } قال الخليل : المثل الصفة ، أي وله الوصف الأعلى { فِي السموات والأرض } كما قال : { مَّثَلُ الجنة التي وُعِدَ المتقون } [ الرعد : 35 ] أي صفتها . وقال مجاهد : المثل الأعلى قول لا إله إلاّ الله ، وبه قال قتادة . وقال الزجاج { وَلَهُ المثل الأعلى فِي السموات والأرض } أي قوله { وهو أهون عليه } قد ضربه لكم مثلاً فيما يصعب ويسهل . وقيل : المثل الأعلى هو أنه ليس كمثله شيء ، وقيل : هو أن ما أراده كان بقول كن ، و { في السماوات والأرض } متعلق بمضمون الجملة المتقدّمة ، والمعنى : أنه سبحانه عرف بالمثل الأعلى ، ووصف به في السماوات والأرض ، ويجوز أن يتعلق بمحذوف على أنه حال من الأعلى ، أو من المثل ، أو من الضمير في الأعلى { وَهُوَ العزيز } في ملكه ، القادر الذي لا يغالب { الحكيم } في أقواله وأفعاله .

/خ27