فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{وَهُوَ ٱلَّذِي يَبۡدَؤُاْ ٱلۡخَلۡقَ ثُمَّ يُعِيدُهُۥ وَهُوَ أَهۡوَنُ عَلَيۡهِۚ وَلَهُ ٱلۡمَثَلُ ٱلۡأَعۡلَىٰ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ} (27)

{ وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه وله المثل الأعلى في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم27 }

وربكم الذي يملك الكون كله ، ومن في الكون عبيده ، هو- دون سواه- بادئ خلق المخلوقين ، المنشئ المصور المبدع لكل المخلوقات ، وهو معيدها جل شأنه حين يجيء أمره . لا تتأخر عن ذلك ولا تتوانى ، كما أخبرنا الحق المبين : )إن كانت إلا صيحة واحدة فإذاهم جميعا لدينا محضرون( {[3325]} ، وبعثهم أحياء بعد موتهم يسير على المهيمن المقتدر هين ، وما شيء عليه بعسير ، قال أبو عبيدة : ومن جعل{ أهون } يعبر عن تفضيل شيء على شيء فقوله مردود بقوله تعالى : [ )زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا قل بلى وربي لتبعثن ثم لتنبؤن بما عملتم وذلك على الله يسير{[3326]} ]{[3327]} . . ، والعرب تحمل[ أفعل ] على [ فاعل ] . . .

وأنشد أحمد بن يحيى :

تمنى رجال أن أموت وإن أمت *** فتلك سبيل لست فيها بأوحد

أراد بواحد ، { وله المثل الأعلى في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم }

قال الخليل : المثل : الصفة ، أي وله الوصف الأعلى . . ، كما قال : )مثل الجنة التي وعد المتقون . . ( {[3328]} أي صفتها . . اه .

وهو الذي يقهر ولا يقهر ، لا يدافع ، ولا يغالب ، ولا يمانع ، والذي دبر كل شيء بلطف وخبرة ، موافقا للصواب على سنن الحكمة .

[ وروى البخاري . . عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يقول الله تعالى : كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك وشتمني ولم يكن له ذلك ، فأما تكذيبه إياي فقوله لن يعيدني كما بدأني وليس أول الخلق بأهون علي من إعادته ، وأما شتمه إياي فقوله اتخذ الله ولدا وأنا الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد " ]{[3329]} .


[3325]:سورة يس. الآية 53.
[3326]:سورة التغابن. الآية 7.
[3327]:ما بين العارضتين أوردته لأنه استشهد بآيتين ليستا في إثبات البعث وهما:)وكان ذلك على الله يسيرا (،)ولا يؤوده حفظهما)يسره الله علي جل جلاله. ونقله عن أبي عبيدة صاحب الجامع لأحكام القرآن.
[3328]:سورة محمد- عليه السلام- من الآية 15.
[3329]:ما بين العلامتين[ ] أورده ابن كثير حـ 3. ص 430، 431.