البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَهُوَ ٱلَّذِي يَبۡدَؤُاْ ٱلۡخَلۡقَ ثُمَّ يُعِيدُهُۥ وَهُوَ أَهۡوَنُ عَلَيۡهِۚ وَلَهُ ٱلۡمَثَلُ ٱلۡأَعۡلَىٰ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ} (27)

{ وهو أهون عليه } : أي والعود أهون عليه ، وليست أهون أفعل تفضيل ، لأنه تفاوت عند الله في النشأتين : الإبداء والإعادة ، فلذلك تأوله ابن عباس والربيع بن خيثم على أنه بمعنى هين ، وكذا هو في مصحف عبد الله .

والضمير في عليه عائد على الله .

وقيل : أهون للتفضيل ، وذلك بحسب معتقد البشر وما يعطيهم النظر في المشاهد من أن الإعادة في كثير من الأشياء أهون من البداءة ، للاستغناء عن الروية التي كانت في البداءة ؛ وهذا ، وإن كان الاثنان عنده تعالى من اليسر في حيز واحد .

وقيل : الضمير في عليه عائد على الخلق ، أي والعود أهون على الخلق : بمعنى أسرع ، لأن البداءة فيها تدريج من طور إلى طور إلى أن يصير إنساناً ، والإعادة لا تحتاج إلى هذه التدريجات في الأطوار ، إنما يدعوه الله فيخرج ، فكأنه قال : وهو أيسر عليه ، أي أقصر مدة وأقل انتقالاً .

وقيل : المعنى وهو أهون على المخلوق ، أي يعيد شيئاً بعد إنشائه ، فهذا عرف المخلوقين ، فكيف تنكرون أنتم الإعادة في جانب الخالق ؟ قال ابن عطية : والأظهر عندي عود الضمير على الله تعالى ، ويؤيده قوله تعالى : { وله المثل الأعلى } ، كما جاء بلفظ فيه استعاذة واستشهاد بالمخلوق على الخالق ، وتشبيه بما يعهده الناس من أنفسهم ، خلص جانب العظمة ، بأن جعل له المثل الأعلى الذي لا يتصل به ، فكيف ولا تمثال مع شيء ؟ انتهى .

وقال الزمخشري : فإن قلت : لم أخرت الصلة في قوله : { وهو أهون عليه } ، وقدمت في قوله : { هو علي هين } قلت : هنالك قصد الاختصاص ، وهو تجبره ، فقيل : وهو على هين ، وإن كان مستصعباً عندك ، وإن تولد بين هرم وعاقر .

وأما هنا لا معنى للاختصاص ، كيف والأمر مبني على ما يعقلون من أن الإعادة أسهل من الابتداء ؟ فلو قدمت الصلة لتغير المعنى . انتهى .

ومبنى كلامه على أن تقديم المعمول يؤذن بالاختصاص ، وقد تكلمنا معه في ذلك ، ولم نسلمه في قوله : { إياك نعبد } { وله المثل الأعلى } ، قيل : هو متعلق بما قبله ، قاله الزجاج ، وهو قوله : { وهو أهون عليه } ؛ قد ضربه لكم مثلاً فيما يسهل أو يصعب .

وقيل : بما بعده من قوله : { ضرب لكم مثلاً من أنفسكم } .

وقيل : المثل : الوصف الأرفع الأعلى الذي ليس لغيره مثله ، وهو أنه القادر الذي لا يعجز عن شيء من إنشاء وإعادة وغيرهما .

{ وهو العزيز } : أي القاهر لكل شيء ، الحكيم الذي أفعاله على مقتضى حكمته .

وعن مجاهد : المثل الأعلى قوله : { لا إله إلاّ الله } وله الوصف بالوحدانية .

ويؤيده قول : { ضرب لكم } .